محمد الدبعي
السياسة كلام ومنطق

قاب موتين كان أيلول يعدو
لم تزده السنون إلا تبارا
حاصرته الجهات من كل صوتٍ
فانثنى حسرةً وولى فرارا.
 
التغيير: هو ثورة ضد كل مظاهر الفساد والظلم والاستبداد والعنصرية والإجرام.
 
علم الكلام:
الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان سئل عن علم الكلام فقال: هو "علم الفقه الأكبر"، لما له من دور في بناء العقيدة الإسلامية وتأصيل أصول الدين، وتبيين مجمل جوانب الفكر الإسلامي.. فهو محور العلوم الدينية بقول مطلق، بما يمثله من دور المدافع عن العقيدة الدينية.
 
المنطق:
هو خادم العلوم أو ميزانها، فهو الآلة التي تعصم الذهن من الخطأ في التفكير!
فأي خطأ في التعبير عن الفكر أو الفكرة تكون له عواقب وخيمة، لأننا حين نعرف الأشياء تعريفا علمياً دقيقاً وصحيحا نقول عنه أنه كلام منطقي.
فعلم المنطق هو علم التفكير والتعبير ويؤدي إلى طبع صورة الشيء المراد في ذهن السامع أو القاريء، لأنه يتحصل على الصورة من خلال الناقل.
 
ونحن حين ننقل خبرا أو معلومة، أو نكتب تعريفا، أو نقدم تصورا لشئ ما فإننا لا نفعل شيئاً أكثر من أننا بمنطقنا نحن نرسم صورة أو نشكل لوحة، فلو أخطأنا التقدير ورسمنا الصورة الخطأ، أو أسأنا إستخدام الألوان عند تشكيل اللوحة عندئذ تحدث المشكلة.
ومن ناحية علمية فإن الجهل يقابل العلم، وكما قالوا فإن الإنسان عدو ما يجهل؛ فلو أننا نقلنا له الصورة الخاطئة أو بالطريقة الخطأ، فإننا نكون قد ثبتنا الصورة النمطية الأولى السيئة الراسخة في ذهنه، و أكدنا له صحة شعوره وإحساسه وما كان يعلمه عنها.
والجهل ثلاثة أنواع:
جهل بسيط: وهو عدم المعرفة بالشيء،
وجهل مركب: وهو الجهل بالشيء، والجهل بأنه يجهل،
وجهل مركب مركب: بأن يضاف الى الجهل المركب التجهيل الغير مقصود من الناقل للمستقبل أو للمتلقي. وهذا هو أصعبها وأخطرها لأنه في هذه الحالة يحارب الفكرة عن قناعة تامة بأنه يعلم الحقيقة، وذلك لأننا نقلنا له الصورة الخطأ فزدناه على جهالته بذلك الشيء جهالة.
 
لذلك نقول أنه لابد من الحرص والدقة في انتقاء الألفاظ واختيار الكلمات التي نريد إيصالها للمستقبل، ومعرفة الشيء تدل على أن له معنى، وهذا المعنى الذي نريد إيصاله هو بيت القصيد.
فمثلا حين يركز المتكلم في خطابه على كلمة "الوطنية" فمعناها معروف وتدلل على أن قائلها أو كاتبها رجل وطني، ولا يمكن بحال أن يفهم منها عكس ذلك. ونفس المنطق ينطبق على أي تصور أو مفهوم في القاموس السياسي لابد من اختيار الألفاظ بعناية منطقية فائقة بحيث تتجنب الإصطدام بالجماهير، فالعلم بالشيء يوجب العلم بشيء آخر بالتبعية، أي أن المعنى الذي يستخلصه القاريء أو المستمع يتعدى الكلمة إلى مستخدمها فيوصف بمعناها المفهوم عند المتلقي: رجل وطني، حزب وطني، متحرر، علماني، قومي، ليبرالي، مدني، عنصري، اسلامي… وهلم جرا.
 
من أراد التغيير عليه أن يقدم شيئا للجماهير، ويلزمه أن يخاطب الجمهور بما يفهمه: خاطبوا الناس على قدر عقولهم، بغض النظر عن فلسفتك وقيمتها الراقية، وعن أهدافك النبيلة والوطنية، لكن إن لم تغلف هديتك أو مشروعك بغلاف العقل والمنطق فقد حكمت على نفسك بالفشل من قبل أن تبدأ. حينها يتهافت المتكلمون المدافعون عن العقيدة بتشدقهم وفلسفتهم الكلامية العقدية، وتهوي معاولهم على من لم تسعفه حصافته في اختيار تعريفاته وألفاظ خطابه بطريقة صحيحة، فيؤلبون عليه الجماهير التي مبدأها: القول ما قال شيخنا أو كبيرنا.. فيتحولون إلى كبار علماء علم الكلام المدافع عن الدين والعقيدة
وكما يقولون عندنا في تعز: مِنو شِقْرا لك خطك؟ أي من سيفهم رسالتك التي صغتها؟
نحن في زمن التردي في كل شيء: عقلا و فكرا وقولا وسلوكا. كل مالدينا يسير إلى الوراء، وكل منجزات ثورة سبتمبر عادت القهقرى.. فمن نصب نفسه للنضال والكفاح السياسي فليعتلي ظهر فرسه متسلحا بالقوة والفطنة والدهاء والحكمة والمنطق!
قال أيوب "رددي" فَرَبَت واه
تزت الأرض نشوةً وانبهارا
"كم رفضنا" فقلت مازال فينا
يملأ السهل رفضنا والقفارا
رَفضُنا يا أيوبَ ما زال أعتى
لا نرى في النكوص إلا انتحارا
"ليس منا" فقلت قفْ.. وخطوفها
واستحلوا بها دمانا جٍهارا
صحفاً لا تقيء إلا هراءً
قنوات تضج عِهرا وعارا
من ظنناه ثائرا أو غَيوراً
صار تيساً مهجناً أو حمارا
(الأبيات للشاعر الكبير عمار الزريقي).