د.ياسين سعيد نعمان
ويا من عاش خبّر

26 سبتمبر ثورة عظيمة، والذين قاموا بها وضحوا من أجلها عظماء..

ما يؤكد عظمة هذه الثورة هو ما يجتاح اليمن اليوم من كارثة... هذا هو المعطى التاريخي الذي يعيد بناء المشهد على نحو مناقض لمسارات الحياة لتعرف الأجيال قيمة سبتمبر... "ويا من عاش خبر".

لن نتحدث هنا عن اختطافها وتفكيكها وإفراغها من مضامينها الثورية والوطنية، وكيف ملئت ببالونات فساد وطغيان السلطة التي انفجرت في وجه الجميع مخلفة هذه المأساة.. سنترك ذلك للتاريخ توافقاً مع دعوتنا لمنتسبي الشرعية أن يتوقفوا أمام فداحة المأساة وتعقيدات كارثة الحوثي بدلاً من التماهي مع موروث سياسي متخبط في صراعات جعلت كل مكون لا يرى، بمعاييره وثقافته، العيب أو الغلط إلا عند الآخر.

موروث يجري تأصيله بنوابض فكرية وسياسية مستخلصة من مرحعيات اعتباطية لا تاريخية، تتجزأ معها الأوطان إلى "جزر" سياسية بمساحات تتطابق مع حجم الانتساب ومصالح المنتسبين لكل جزيرة؛ الوطن بالنسبة لها مجرد غلاف هولامي خارجي يسهل تمزيقه إذا دعت حاجة إحدى الجزر للتمدد بقوة السلاح والنفوذ.

موروث ينتحل معه الفاسد والطاغية في لحظة من لحظات الانعطاف التاريخي دور معلم للاخلاق ومرشد ثوري وراهب وناسك متعبد في محراب الفضيلة.

موروث اتجه بالصراع إلى داخل منظومة الثورة لتفكيكها وخلق مساحات تسرب إليها النقيض التاريخي لينشئ قواعد الانطلاق التي هب منها بعد خمسين سنة ليصفي حسابه معها.

موروث، هو الآخر، كارثي بالمفهوم الذي أبقى السياسة مخزناً لقيم طاردة للتعايش والتفاهم والقبول بالآخر، وأخرى حاضنة للاقصاء والاستبعاد والكراهية والتآمر.

منظومة هذه القيم التي باتت تخترق الخارطة السياسية وتنشئ منظومة متناحرة لن تكون مؤهلة بأي معنى من المعاني، فيما لو استمرت على هذا النحو، للتغلب على كارثة الحوثي، فقد انشغلت بالنتائج المشوشة والمحبطة التي تضخها هذه القيم إلى الحياة اليومية، وأفرغت "مقاومة" الكارثة من مضامينها، تماماً مثلما كانت ثورة سبتمبر قد أفرغت من محتواها، وملئت بخراطيم مياه ملوثة، لا هم لها إلا التلويث وإشاعة الاحباط وإصدار الاتهامات والتبشير بالهزيمة.

اليوم، ليس أمام منتسبي الشرعية، جميعاً وبدون استثناء، سوى أحد خيارين لا ثالث لهما:

إما أن يكونوا بعظمة سبتمبر وعظمة من قاموا بها وضحوا من أجل غاياتها، وهي الوسيلة الوحيدة لاستعادتها من مغتصبيها.

وإما أن يكونوا بحجم ومستوى من أفرغوها وسلموها، وحينذاك لن يكون الحل سوى ما تقرره الظروف والواقع على الأرض.

وكل عام وأنتم بخير.

* من صفحة الكاتب على الفيسبوك