محمد شداد
من مواجع اليمن: مخاطر الفُرقة والصعلكة في تعز.

إنها صرخةُ نطلقها في واد، كما قال الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد، إذا ذهبت مع الريح قد تذهب غداً بالأوتاد، للإخوة رفقاء السلاح والهدف والنضال والهم الوطني الواحد ونقول أن القوى المعادية لازالت تحيط بكم وبالوطن من كل جانب إذ لا تريد لمبتدأكم المشَرِفْ أن ينتهي كما بدأ، وأن بعض الألسن التي ضلت تمدح بتمام الثقافة والتعليم فيكم في قلوبها كَدَر ويعشعش فيها غيض ويغشاها غبش ولا تريد لسمائكم الصفو ولتاريخكم النضالي الإشراق والخلود في اسفاره وبين سطوره ومداده.
وما يحدث في تعز بداية قد يكون بقصد لتشويه صورتها كجغرافيةً حاضرة وسكان فاعلين وتاريخ باذخ من العطاء في كل مجالات الحياة على طول اليمن وعرضها، من قبل بعض القوى التقليدية الغائبة عن حقيقة المشهد المعتم الذي يُرسم بأناةٍ لتدمير اليمن، أو بغير قصد تنفذه بعض الأطراف الداخلية بإيحاءات خارجية ومن تعز نفسها.  أطراف عُصِبَ على أعيُنِها بقمصان الولاء المطلق للسلطة المركزية بصرف النظر عن حقيقتها وصدق نواياها، وران على قلوبها حب الدنيا والكسب المستزاد الذي لا ينقطع دون مراعاة لتلك الظروف والأحداث.
تمارس ذلك بعيداً عن مثالية الوطن وتحرره من رِبَقْ الكهنوت المتمثل بثنائية المخلب المتسلط، المتمثل ببعض القبائل التي لم تحمل يوماً هماً لليمن بعد ثورة 26 من سبتمبر وسيطرتها على الحكم، بل ساهمت في جره إلى ما وصل إليه اليوم من الصراع المستدام، وتولي السلالة الهاشمية التي جاءت لطمس الهوية اليمنية منذ مقدمها إلى اليمن كي تتولى وتسود وتقتل اليمني باليمني  والاستعانة ببعضهم على البعض الاخر لإقامة دولتهم المشؤومة،  كما ورد في الكتاب الذي يطفح بالطائفية والكره والعنف  "سيرة الإمام أحمد بن سليمان 532 – 556ه" تأليف سليمان الثقفي وتحقيق الدكتور عبدالغني محمود عبدالعاطي.
ليس هذا استجراراً لأحداث التاريخ اليمني الحزينة بل تذكيراً بمحطات هامة في تاريخنا أهملتها الأجيال وتعامت عن قراءتها، في حين كان الأجدر بها أن تقرأها تباعاً ثم تُعيد قراءتها المرة تلو الأخرى، تتفادى مآسيها وتستفيد من أخطاء قادتها وصانعي القرار فيها تحديداً أحداث ما بعد ثورة 26 والتي كان ساحتها صنعاء ولاعبيها أطراف الثورة بعد نجاحها. بينما اليوم فقد تكون ساحتها تعز ويكون الأطراف منها وفيها وقبل القضاء على قوى الكهنوت والانقلاب.
 وذلك لإجهاض الدور الوطني الذي لعبته محافظة تعز دعماً مادياً ومعنوياً قادة ومقاتلين في الحركات الثورية والوقوف ضد المشروع الإمامي السلالي البائد والراجع بقميص الحوثية والعمامة الفارسية، وسَقَتهُمْ علماً نضالاً تضحية وكفاح.
باتت بعض القوى تنظر اليوم إلى ما يجري من خلاف واختلالات أمنية في تعز والناتج في الأساس عن غياب دور الدولة الغائبة أو المغيبة عمداً  كنتيجة وسبب، متناسيين الكارثة والهجمة التي تعرضت لها حتى الساعة بدعم وإمكانيات الدولة التي نهبتها قوى الانقلاب وأنها وقفت أمام طغيان عسكري تدميري ممنهج من طرفي الانقلاب، أحاط بها من كل جانب، تدعمه قوة عسكرية ضاربة قوامها 17 لواء من مختلف صنوف القوات المسلحة ناهيك عن الوحدات الأمنية التي كانت بداخل المدنية والمواقع العسكرية التي تموضعت على كل مرتفعات المدينة من جبل العروس صبر جنوباً حتى مشارف المخلاف شمالاً ومن المخاء غرباً حتى مطار الجند شرقاً تحوطه جحافل الميليشيا الحوثية والقوى الموالية للنظام السابق كل ذلك ذهب في خيالهم أدراج الرياح.
 وقفت المقاومة الشعبية بإمكانياتٍ لا تُذكر لكسر مده وجنونه، بدأت من نقطة الصفر في شارع جمال سلاحها كلاشكنوف بقيادة الشيخ حمود المخلافي كان يتناوب على البندقية الواحدة ثلاثة مقاتلين لعدم توفر السلاح وشحة الإمكانيات، وبدأوا بتحرير المدينة شبراً شبرا دفاعاً العرض والجمهورية والشرف دفعوا ثمن ذلك باهضاً دماءً وأرواح الأحبة والأقرباء ودمار للمنازل وخراباً أحدثوه عمداً لكل مظاهر الحياة.
إن ما يجري اليوم في تعز من عدم قبول البعض للبعض الآخر في تولي والقيادة والالتفاف حول بعضهم، يشكل معضلة وظاهرة خطيرة كدت أن أوقن بها، تكاد تهدد المشروع الوطني ككل في كافة ربوع الوطن. لقد أنتجت هذه الأحداث في حيثياتها الفُرقة بين ابناء المدينة وفُتحت الأبواب للغير والآتين من المسافات البعيدة، ويتم القبول بهم، فيما يُرفض المحلي ابن الوطن، ولا يتم مساندته حتى ينجح ويمنح الفرصة ليعمل وإن فشل فبدائله من ابناء المحافظة كُثُر. 
وبرغم النضج السياسي والإداري والمعرفي ووحدة الهدف وإيمانهم بضرورة قيام الدولة الاتحادية على أسس علمية وحديثة، إلا أنهم وللأسف لا يملكون طريقة وأسلوب من تجمهم المائدة ويفرقهم الدرهم، في الالتفاف والانقياد لبعضهم ولمن تولى وأعطى ولو كان أصم وأعمى!
 سألت غداة يومٍ محمد عبدالله الفسيل المحسوب على الثورة وعضو مجلس نواب سابق، ما هو سبب اتخاذ الامام أحمد مدينة تعز عاصمة لليمن إبان حكمه؟ أجاب بالحرف " لأنهم رعية" بمعنى محكومين مستضعفين. فرددت عليه "لااا وانت الصادق بل لأنه المجتمع المنتج وصاحب الفكر والتغير وجلوسه هناك كما قال علي عبدالله السلال في أحد مقابلاته كان جلوساً على رأس الأفعى كي لا تتحرك ضده يوماً ما"، و إذا كان هذا مفهوم الفسيل (الثوري) فما بالكم بما في رؤوس الكهنة و الإمامين الجدد. 
ورغم ضبابية كل ما يحدث إلا أن النصر على الكهنوت قائم، وتطبيق نظام الأقاليم قادم لا محالة، ورجوع عجلة التغير إلى الخلف وتطبيق النظام المركزي الفاسد بات من ضروب المستحيل. لكن السؤال هو ما المطلوب منكم يا أبناء تعز؟ المطلوب هو التوحد والارتقاء إلى مستوى القضية ولملمة الصف وإتاحة الفرصة لكل الجهود من كل التيارات السياسية والقوى الفاعلة في إطار الوطن الواحد، للعمل والمشاركة وإنجاز ما تبقى من التحرير ومحاربة الفساد والضرب على أيادي المجاميع المتفلته المثيرة للفوضى وإقلاق الأمن والسكينة العامة في المدينة وضواحيها، أشخاصاً كانوا أو جماعات، والنظر إلى مجريات الأحداث بتجرد وببعدٍ وطني صادق، والتخلي على الأنانية وتسلط الأنا وتغليب المصلحة العامة على الشخصية والتغلب على طغيان الذات.
وما استمرارية فرض قيد الحصار على محافظة تعز إلا خوفاً من تأثيركم وتمدد فكركم الثوري الباحث عن الحرية وعزله حتى لا يلتقي مع فكر إخوانكم في كل المدن اليمنية، التي ترزح تحت ظلم الكهنوت الذي يصادر حريتها صباحاً ومساء، وكذا طموحكم في بناء الدولة الاتحادية العادلة دولة القانون والعدل والمساواة التي يعيق قيامها المفسدون هواة الفيد والتسلط، والتي ينشدها كل أبناء الوطن الذين جزعوا من الحرب التي أوجعتهم سياطها وأنهكتهم آثارها الدامية.