الفت الدبعي، أستاذة علم الاجتماع في جامعة تعز وأحد أبرز الوجوه الشبابية النسائية التي شاركت في ثورة 11 فبراير 2011م، عضو مؤتمر الحوارا لوطني سابقا في فريق العدالة الانتقالية ، عضو لجنة صياغة الدستور.
في البدء دعيني أرحب بشخصك الكريم، باسمي ونيابة عن اسرة موقع المستقبل اونلاين الصحفية، ونتمنى لك وقتا طيبا.
- بسم الله الرحمن الرحيم في البدء أرحب بأسرة موقع المستقبل أونلاين والتي يتصدرها مجموعة واعدة ومتطلعه من رفقاء النضال من شباب 11 فبراير الذين أتوقع أن يجعلوا من انطلاقة هذا الموقع واحة للمعرفة والفكر والسياسة الذي ينير الطريق باتجاه المستقبل الذي اختاروه اسما لموقعهم ، وما اختيارهم لهذا الاسم في تصوري الا رغبة من شباب الثورة أن يضعوا بصماتهم في صياغة المستقبل كما وضعوها في صياغة الثورة ..وما زالوا يضعونها عبر اعلانهم بأن الثورة مستمرة حتى تأسيس دولة العدالة الاجتماعية .
-المستقبل اونلاين : تقيم الدكتورة الفت وعائلتها حاليا في العاصمة الاقتصادية عدن نظرا للحرب الدائرة في تعز منذ أشهر، هلّك لك ان تحدثينا عن اقامتك الحالية، وعن الأوضاع التي دفعتك لمغادرة مدينتك ومسقط رأسك تعز؟
نعم أنا حاليا أقيم في عدن ..ولكن السبب ليس مغادرتي لتعز بسبب الحرب فأنا تقريبا غادرت تعز الى صنعاء منذ بداية الحوار الوطني الذي شاركت فيه كعضوه واستمر ما يقارب السنة ثم بعد ذلك استمريت في البقاء في صنعاء بسبب مشاركتي في لجنة صياغة الدستور لما يقارب السنة الثانية ، وعندما بدأت عاصفة الحزم في اليمن كنت من العالقين في العاصمة تونس التي حضرتها قبل العاصفة بأربعة أيام للمشاركة في فعاليات المنتدى الاجتماعي والاقتصادي العالمي وبعد أن فتح لنا المجال للعودة بعد ذلك بأشهر عدت الى مدينة عدن حيث تتواجد اسرتي (والدي ووالدتي) بشكل دائم هناك وأيضا أولادي الذين كانوا برعاية والدتي فكانت عودتي الى عدن طبيعية ولا مجال لي غير العودة الا الى عدن .وكنت أتمنى أن استطيع الذهاب الى تعز عبر عدن ولكني حتى الان لم استطع أن أقرر الذهاب لأبعاد أسريه تعيقني عن اتخاذ هذا القرار وأيضا في ظل دراسة اولادي في عدن لهذا العام ،ولعلي لو كنت استطعت الذهاب لكان ذلك خفف عليا الكثير من الألم والاجهاد وأنا اتابع اخبار المدينة وأوجاعها وإن شاء الله يكون ذلك قريبا.
-المستقبل اونلاين : كيف تقيمين الحرب الدائرة في تعز بشكل خاص واليمن بشكل عام:
أ- الحرب والمتحاربين :
الحرب بشكل عام على مستوى اليمن هو سياق ضمن حرب واضح انه كان مخطط لها أن تحدث في اليمن ، وقد كشف الانقلاب الحوثي الصالحي حقيقتها وحقيقية ما كان يرتب لها والتي الهدف منها بدرجة رئيسية إعادة حكم اليمن بالإدارة المركزية الاستبدادية السابقة والجيش الاسري وإن تغيرت بعض التفاصيل ومواجهة السعودية والحرب معها ضمن مخطط عام يستهدف تغيرات على مستوى الشرق الأوسط وضمن اتفاق امريكي إيراني في كثير من تقاطعاته .أما الحرب في تعز فدائما ما اعبر عنها بأنها معركة كرامة بدرجة أساسية ودفاع عن حق أبناء تعز في رفض أي شكل من اشكال التركيع لأي سياسة تفرض على أبنائها بقوة السلاح .بالإضافة الى انحياز تعز للمشروع العربي في مواجهة التدخل الفارسي ..وقد نجحت تعز في مشروع المقاومة الذي شاركت فيه كافة مكونات تعز في مواجهة همجية العدوان الداخلي وسلطويته بخروجها ضد المحتل الداخلي ورفضها لمشاريعه الاستبدادية الجديدة .التي كان يراد لها تشكيل الخارطة اليمنية بعيدا عن التوافقات الوطنية التي خرج بها الشعب اليمني سابقا .
ب- الحرب والمدنيين...
أما ما يخص المدنيين فهم ضحايا حروب المستبدين دائما واستهدافهم من الجرائم الأخلاقية والقانونية .ورغم الاتفاقيات والقوانين الدولية والإقليمية والمحلية التي تنص على حماية المدنيين في زمن الحرب والنزاعات الا أنني استطيع القول انه لم يكن هناك التزام بتجنيب المدنيين اثار هذه الحرب سواء من قبل مليشيات الحوثي وصالح التي اتخذت من المدنيين واستهدافهم استراتيجية لإدارة الحرب وايقاع الهزائم بطرف المقاومة و التحالف وأيضا استطيع القول انه رغم حرص التحالف وقوى المقاومة على تجنيب المدنيين أي استهداف مقصود الا أنه لم يكن هناك الالتزام الكافي من قوى التحالف في تجنيب ا اثار الحرب على المدنيين وكان لبعض الضربات التي اعتبرها انا انفعالية وعشوائية وتعبر عن ضعف في العمليات الاستخباراتية تأثيراتها الكبيرة على المدنيين والتي تناولتها العديد من التقارير وما زالت تحتاج الى لجان تحقيق .
ج- الحرب والمدن
ماذا نستطيع القول على تأثيرات الحرب على المدن اكثر من الإشارة الى تأثيرها على السلم الاجتماعي وتعميق التعصب للهويات المحلية على حساب الهوية الجامعة وهي النتيجة الطبيعية لتأثير العدوان الداخلي والذي غالبا ما يكون تأثيره أقسى على مواطني المدن بالإضافة الى ما تركته الحرب بشكل عام من تدمير للبنية التحتية والخدمات العامة وحصار المدن الذي دمر بنفسيات المواطنين واحتياجاتهم الغذائية والدوائية فزاد المدن ومواطنيها معاناة وانتهاكا إضافة الى الإهمال والحرمان الذي كانت تعاني منه في ظل غياب التوزيع العادل للسلطة والثروة الذي تعاني منه هذه المدن فضلا عن تأثيرات الحروب السابقة التي لم تعالج قبل الحرب الأخيرة سواء التي شنت على جنوب اليمن في 94او حروب صعده العبثية السته فجاءت هذه الحرب وادت في معاناة المدن إضافة الى معاناتها السابقة وهو ما زاد من النقمة والكره للمليشيات .
د- الحرب والإغاثة في الحرب
لا نستطيع في زمن الحرب أن نقول ان هناك إغاثة تقدم تستطيع الحفاظ من خلالها على كرامة المواطنين مهما بلغت درجة هذه الإغاثة وخاصة في ظل حصار المدن ، وأيضا لا نستطيع انكار جهود الإغاثة والمبادرات التي تشكلت في زمن الحرب وسدت جوانب من الاحتياجات ، لكن واقع العمل الاغاثي يقول انه بحاجة الى معايير اكثر مهنية وتخصصية وشفافية واستقلالية بعيدا عن معايير العلاقات الشخصية والمصالح وصراع التوجهات المحلية او الإقليمية او الدولية .كما هو بحاجة الى خضوعه للرقابة والتقييم
-المستقبل اونلاين : هل لا تزال الأطراف اليمنية بشقيها قادرة على الدفع بالعملية السياسية ام انها لم تعد سوى أدوات بيد اللاعبين الاقليمين والدوليين؟
لا يمكن لأي عملية سياسية ان تنجح دون أن يكون الأطراف اليمنية هي اللاعب الرئيسي فيه ، لأن أي عملية سياسية لابد أن تخضع لتوافقات كل الأطراف اليمنية في نهاية المطاف وهذا لا يعني ابدا التقليل من الدور الذي يلعبه اللاعب الإقليمي والدولي الذي هو فاعل رئيسي في المشهد اليمني ، ولكن مهما بلغ دور اللاعب الإقليمي والدولي ففي الأخير لن يحسم المشهد الا الأطراف اليمنية جميعا على قاعدة المرجعيات المتفق عليها.
-المستقبل اونلاين : تعرض العديد من أبناء المناطق الشمالية الى تهجير قسري من قبل السلطات المحلية وفصائل المقاومة في مدن كـ " عدن ولحج "، ما رأيك فيما حصل وما مستقبل العلاقات بين الجنوب وتعز في المستقبل على ضوء المستجدات الحالية؟
أنا علقت على هذا التهجير مباشره وقلت أن الحملة الأمنية كانت مطلب شعبي بسبب كثرة الاغتيالات واقلاق الامن داخل عدن الذي كان قد وصل الى مستوى كبير ولكن بنفس الوقت رفضنا ان تمس هذه الإجراءات أي تمييز خارج اطار القانون لأي شمالي او جنوبي ، وكنا قد تابعنا هذه الإجراءات مع بعض المسؤولين في عدن وللأمانة كان هناك رفض كبير من أبناء عدن وكثير من الناشطين تفاعلوا إيجابا ومن خلال زيارتنا لإدارة الامن والبحث الجنائي لاحظنا ان هناك سوء إدارة واضح لدى الأجهزة الأمنية في عدن والتي كثير من كوادرها تحتاج الى إعادة تأهيل وتدريب بالإضافة الى الاهتمام باحتياجات اجهزه الامن الرئيسية التي تفتقد لأي عمليات استخباراتية في الميدان وهو ما انعكس بالأليات العشوائية لتنفيذ الخطة الأمنية التي لم تكن خطة مدروسة دراسة كافية ..فضلا عن وضوح استغلال الجانب النفسي من احداث حروب 1994 والحرب الأخيرة من بعض اطراف في الحراك باتجاه التحريض بين أبناء تعز وعدن خاصة ،ولقد تنبه لهذا الاستغلال كثير من الجنوبيين المخلصين الذين فهموا خطورة هذا الامر في افساد العلاقة بين تعز وعدن بالذات من خلال استخدام هذا الكرت والذي لا يخدم سوى مشاريع المستبد الداخلي في اضعاف جبهة المقاومة .وفي تصوري لن يؤثر هذا الامر كثيرا على مستقبل العلاقة بين عدن وتعز لان كثير من القيادات السياسية تنبهت لهذا الجانب وأن الهدف منه كان استفادة المليشيات فقط ، وكان لموقف الحكومة الشرعية والرئيس هادي ما ساعد على إيقاف هذه المحاولات وافشالها بالإضافة الى استيعاب القيادات في تعز وعدن لأبعاد تأثيرات هذا الامر واهمية إيجاد الحلول العادلة لها وقد بدأ العمل في ذلك كثير من الناشطين من أبناء تعز وعدن والتنسيق المشترك لمعالجة أي إشكالات تقوم بين المدينتين بما يقدم لها الحلول المناسبة وبما يعزز المصالح المشتركة بين تعز وعدن وهو ما أتوقع أن ينمو بشكل اكبر في المستقبل خاصة في ظل النظام الاتحادي الذي سيعزز المصالح المشتركة بين أبناء تعز وعدن بشكل اكبر وهو ما ينبغي أن تعمل عليه النخب السياسة والمثقفة والناشطين المدنيين .
-المستقبل اونلاين : انحازت الانسانة الفت الدبعي للضحايا في مؤتمر الحوار الذي عقد في موفمبيك عن طريق انحيازها للعدالة الانتقالية التي تؤسس لمصالحة وطنية شاملة، هلاّ اعطيتينا لمحة عن تلك الرؤية او الرؤى الداعية لتبني قانون العدالة الانتقالية باعتبارها أي العدالة معيار أخلاقي وانساني يمكن من خلالها تجاوز الماضي والذهاب الى المستقبل، وهل لا تزال هناك فرصة لتحقيقها عمليا في ضل الانقلاب وتفاقم الجرائم والانتهاكات التي طالت العديد من شرائح المجتمع وعلى رأسها شريحة المعارضين السياسيين والصحفيين؟
- بعد أن تنتهي إجراءات إيقاف الحرب والانسحاب من المدن وتسليم السلاح تصبح العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية هي بوابة العبور لمستقبل اليمن.. لأن العدالة الانتقالية هي الضامن الوحيد لمعالجة أنماط الاستبداد السياسي والثقافي والديني والاجتماعي في اليمن وستكفل لنا معالجة حقيقية لأثار الحروب والصراعات وجذورها الرئيسية عبر الاليات المتعارف عليها للعدالة الانتقالية .
هناك من يعتقد أن العدالة الانتقالية هي انتقامات وثارات وهذا مفهوم خاطي ..لأن الهدف الرئيسي للعدالة الانتقالية هو الوصول الى دولة العدالة الاجتماعية وأي إجراءات عدالة انتقالية التي لا تفضي الى عدالة اجتماعية لا تسمى عدالة انتقالية وإنما إدارة انتقالية ، ومن هنا تأتي العدالة الانتقالية كضامن لعمل قطيعه مع كل جذور الانتهاكات واسبابها الرئيسية وبما يساعد على تحويل امراء الحرب إلى أمراء سلام ويحقق الرضا للضحايا بحيث يكون لديهم القدرة على المسامحة والعفو .وأنا في تصوري أننا بعد هذه الحرب صرنا بحاجة الى العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية اكثر من أي وقت مضى لأن حجم الانتهاكات التي تمت والدمار وتزييف الوعي والشحن المناطقي والطائفي اصبح خطرا لابد من التعامل معه بشكل سريع خاصة اذا أردنا بناء دولة اتحادية عادلة للجميع ،ففي تصوري ستقف أمام بناء الدولة الاتحادية عوائق كثيره اذا لم يكن مدخل الاستراتيجيات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية للعدالة الانتقالية من اهم المداخل الذي ينبغي الاعتماد عليه كعامل مساعد رئيسي في إرساء قواعد الدولة الاتحادية وبما لا يجعل من معيقات واثار الماضي والحروب حاجزا أمام سرعة البناء والاستقرار.
طبعا أنا أتوقع على نهاية هذه الحرب وبعد تنفيذ القرار الدولي والانسحاب من المدن وتسليم السلاح ان تتم مصالحة وطنية بين اطراف الصراع لإنهاء مشهد الحرب ولكنها تضل مصالحة سياسية على مستوى النخب وفي تصوري اذا تمت مثل هذه المصالحة دون أن تكون قاعدتها الرئيسية خروج كل اطراف الصراع في جميع محطات الحروب التي خاضتها اليمن من المشهد السياسي والإداري لليمن خروجا نهائيا لا يسمح لهم بالعودة سواء المشاركين على المستوى السياسي او العسكري او الإداري ، هذا النوع من المصالحة السياسية قد يكون مقبولا بعد تطبيق القرار الدولي والانسحاب من المدن ونزع سلاح المليشيات وهو ما نستطيع ان نسميه بمصالحة النخب المشاركة في الحروب لكن مثل هذه المصالحة اذا لم تتعدى ذلك الى مصالحة على مستوى المجتمع والضحايا الذين عانوا من انتهاكات حقوق الانسان فلا قيمة لها وستكون محطة لتجهيز دورة حروب قادمة يعاد انتاجها مره أخرى . وهنا تصبح اليات العدالة الانتقالية من كشف حقيقية ومساءلة واعتذار وجبر ضرر وإصلاح المؤسسات التي شاركت في الانتهاكات والاستراتيجيات الاجتماعية والاقتصادية والإدارية للعدالة الانتقالية بشكل عام هي الضامن الوحيد لإقامة مصالحة وطنية تعبر باليمن من ثقافة الاستبداد بكافة اشكاله السياسية والاجتماعية والثقافية التي ادخلتنا في دوائر صراع مستمرة .
-المستقبل اونلاين : هل انت من مؤيدي الحل العسكري ام السياسي ولماذا؟
أنا مع الحلول السياسية في كل زمان ومكان ومع النضال السلمي .. ولكن اذا ظلت مليشيات الحوثي وصالح تستعرض بقوتها العسكرية وتتهرب من تنفيذ القرار الدولي فانا مع استخدام القوه بحدود معينة تساعد على تنفيذ الحلول السياسية وانجاحها خاصة وأن جذر المشكلة الرئيسي لهذه الحرب كانت قد بدأتها جماعة الحوثي باستخدام قوة السلاح كألية لفرض الخيارات السياسية ..وحسب متابعاتنا واضح جليا ان جماعة الحوثي قد سلمت واتفقت على تنفيذ القرار الدولي وكل ما يحدث في الكويت هو اخراج فقط لأليات هذا التنفيذ .وبعد تنفيذ القرار لا أتوقع ستكون هناك مشكلة بالعودة الى مربع التوافقات الوطنية ومناقشة كل القضايا السياسية المختلف عليها .
-المستقبل اونلاين : تعرضت في الآونة السابقة الى العديد من الحملات التحريضية من قبل بعض التيارات الأصولية المتشددة بسبب تبنيك العديد من القضايا ، كالمدنية والديمقراطية والعدالة الانتقالية وحقوق الانسان ومواقفك الجريئة من قضايا كالمرأة وغيرها بالإضافة إلى دفاعك عن مخرجات الحوار الوطني ومسودة الدستور التي تم إنجازها ولم يبقى سوى الاستفتاء عليه شعبيا ، ما هو تأثير تلك الحملات على واقعك الحياتي؟
أي احد يتبنى قضايا تغيير تلامس أنماط الاستبداد التي اعتاد عليه المجتمع حتما لابد ان يواجه حملات التحريض وكما قيل اسقاط الافراد المستبدين قد يكون أحيانا اسهل من اسقاط الفكر والثقافة التي صنعت المستبدين وأنا بشكل عام عندي يقين بكل خطوة أقوم بها في مسار نضالنا من اجل تحقيقي أهداف ثورة 11 فبراير وبناء دولة النظام والقانون العادلة لجميع اليمنيين والتي من اهم ركائزها ضرورة تشكيل الوعي بفكر وثقافة هذه الدولة وهذا لن يكون الا من خلال مرجعية قانونية يحتكم لها الجميع وتلامس كل احتياجات ومتطلبات كافة افراد المجتمع ودفاعي عن مخرجات الحوار ومسودة الدستور يأتي ضمن هذا السياق لأني ادرك ماذا يعني وجود وثيقة مرجعية يحتكم لها الجميع واهمية ذلك في النضال من اجل بناء الدولة لأنه يصعب من غير وجود مرجعية يتفق عليها الجميع الوصول الى استقرار يساعد على البناء ، وفي تصوري أن وثيقة الحوار الوطني التي صيغت من كافة المكونات الرئيسية للشعب اليمني تضل الاطار المرجعي الذي ينبغي أن يحتكم اليه الجميع وهو ما يجعلها اكثر الزامية والتي على ضوئها ستقوم هيئة الرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار بمراجعة مسودة الدستور واخراجها بصورتها النهائية لتعرض على الجمهور بعد ذلك لمناقشتها والاستفتاء عليها .
لكن أكثر شيء يزعجني في الحملات التحريضية التي تأتي من بعض الجهلة والمزورين الذين ما يزالون مشبعين بثقافة التفتيش عن النوايا وتنميط الأشخاص بروى محدده واتجاهات مسبقة فيأخذون اجتزاءات أو فقرات معينة من كتاباتي ويعملوا على نشرها في مواقع الواتس أو الفيس وتوظيفها باتجاهات معينة بقصد أو بدون قصد ويعتقدون أنهم بذلك سوف يؤثرون على مواقفي ، صحيح أن هؤلاء يمارسون إرهابا فكريا ..لكني لهؤلاء تحديدا أقول من يريد أن يقرأ مواقفي بشكل واضح فليقرأها من صفحتي في سياقاتها المختلفة وتراكماتها من 2011 وحتى الان ..وكل مواقفي موجوده كما هي في صفحتي لأني انطلق من سياقات كل مرحلة ومعطياتها الموضوعية التي تتضح لي المعلومات حولها ولا أقف أبدا أمام من يقرؤونها بالطريقة التي يريدونها أو يفسرونها حسب فهمهم وادراكهم ..والباحث الحقيقي والمنصف في تقييم الافراد يستطيع العودة الى كتاباتي في سياقاتها المختلفة ويتناولها كمنظومة متكاملة .
ولعل اصعب شيء في حملات التحريض وخاصة في مجتمعنا التقليدي عندما يتم استخدام القضايا الشخصية للمرأة او محاولة استخدام التقييمات الأخلاقية التي هي للأسف ثقافة يمارسها الكثير في اليمن واعتادوا عليها دائما لقمع النساء وهو جزء من فساد منظومة القيم الأخلاقية التي تحتاج اليمن الى اعاده بنائها بما يخدم قيم المواطنة المتساوية ..وانا اعتبر الصبر على تحمل ذلك والعمل على تغيير هذه الثقافة جزء من النضال الذي يجب أن ندفع ضريبته .
-المستقبل اونلاين : من هي القوى الرئيسية المسؤولة عما وصلت اليه اليمن، وما هي القوى التي يجب ان نعول عليها؟
النظام الذي حكم اليمن هو نمط من استبداد سياسي واجتماعي وثقافي وديني ولذلك دائما انا أرى أنه ليس شخص علي عبدالله صالح هو المتسبب الرئيسي فيما وصلنا اليه وإن كان يأتي هو على رأس المسؤولية كونه كان حاكم البلد وعلى قمة نمط الاستبداد السياسي والعسكري س .ويلي ذلك البنية القبلية التقليدية التي تحكمت بسياسة اليمن وتحولت من هوية اجتماعية الى هوية سياسية في ظل علاقتها بعلي صالح وهي اسرة ال الأحمر سابقا وحاليا اسرة ال الحوثي في تحالفها مع صالح وما ارتبط بكل ذلك من أنماط الاستبداد الاجتماعي والثقافي والديني الذي ارتبط بدعم مشاريعهم وتزيفهم لوعي اليمنيين البسطاء واستغلال المصالح الاجتماعية والاقتصادية وتسويقها بمصوغات دينية وثقافية واجتماعية ، كما أن الأحزاب السياسية تتحمل جزء من ما وصلت اليه اليمن من ناحية انها لم تستطع تقديم نموذج بديل قادر على المنافسة لذلك نجد المسؤولية تتركز بعدة اطراف ما يفرق بينها هو في نسبة المشاركة المباشرة او غير المباشرة وحجم تلك المشاركة خاصة من ناحية المسؤولية تجاه مستوى جرائم حقوق الانسان والتي يتحمل صالح وحزبه وعبدالملك الحوثي وقياداته العسكرية المسؤولية الرئيسية والأكبر في حجم الانتهاكات التي طالت الشعب اليمني وخاصة في الحرب الأخيرة وما وصلنا اليه من دمار نفسي ومادي ومعنوي وبشري ودولتي ومجتمعي ..كما أننا نلاحظ ان بعض القوى في مرحلة تكون جلاد وفي مرحلة أخرى تتحول الى ضحية والعكس ..لذلك فإن التغيير الحقيقي الذي سوف ينقذ اليمن لن يكون الا على يد المخلصين من جميع الاتجاهات وبدرجة رئيسية اعول على شباب الثورة المخلصين من الحزبيين والمستقلين ومناضلي الحراك السلمي الصادقين وكل المتحررين من أنماط الاستبداد الذي ساد المجتمع اليمني بكافة اشكاله.
-
-المستقبل اونلاين : كيف تقرئين التدخل الإقليمي والدولي في اليمن ؟
أنا أقرأ التدخل الدولي والإقليمي بحسب السياقات الزمنية المختلفة لهذا التدخل والذي يأتي في مراحل بشكل إيجابي ومراحل أخرى بشكل سلبي وبقدر ما يأتي هذا التدخل داعما للحفاظ على التوافقات اليمنية الوطنية وداعما لإرادة اليمنيين بقدر ما يكون تأثيره لصالح اليمن واليمنيين. فعلى سبيل المثال التدخل الإقليمي الأخير في عاصفة الحزم والدعم الدولي لها هو تدخل إيجابي ساعد في انقاذ الواقع اليمني من التفتت واتوقع سوف تنعكس اثاره بشكل اكثر إيجابية للتخلص من كافة المشكلات التي تمر بها الامة العربية وتهديدات تهدد امنها واستقرارها ، وبقدر ما سيدعم هذا التدخل حل المشكلات الاقتصادية وإعادة اعمار اليمن ودعم برامج التنمية فيها ودعم إرادة اليمنيين واعادتهم لتنفيذ اتفاقاتهم الوطنية بقدر ما سيظهر الأثر الإيجابي لذلك وبقدر ما يبتعد هذا التدخل من دعم ذلك حتما ستكون انعكاساته سلبية وحتى الان لا استطيع أن احكم على هذا التدخل الأخير في نتائجه الأكثر وضوحا الا بعد انتهاء هذه المرحلة وحتى الان يضل دائرة التدخل الإقليمي والدولي في الزاوية الإيجابية التي تدعم المرجعيات الرئيسية وضرورة تنفيذها .
- ما هو مستقبل القوى المتشددة وجماعات الإسلام السياسي بشقيه، والأحزاب السياسية ذات التوجهات الليبرالية واليسارية والقومية؟
أنا دائما أقول أن من أبرز معيقات تحقيق اهداف الثورة والمقاومة هو الفكر الإسلامي الضيق والتعصب اليساري والقومي لذلك أتوقع أنه لن يكون هناك مستقبل للجماعات الدينية المتشددة أما جماعات الإسلام السياسي فأتوقع أنها سوف تجدد في نفسها وتظهر بشكل اقوى واكثر تطورا أما الأحزاب اليسارية والقومية فبقدر اقترابها من تشكيل قواعد شعبية كبيرة والانطلاق في خطابها المدني والتحرري من داخل العقل اليمني أتوقع لها ان تستطيع كسب الشارع اليمني افضل من غيرها من التيارات .وبشكل عام أتوقع المستقبل سيكون اكثر نجاحا للقوى التي سوف تجعل من مخرجات الحوار الوطني برنامجها السياسي للمرحلة القادمة
-المستقبل اونلاين : ماهي الاخطار المحدقة باليمن في الوقت الحالي من وجهة نظرك _بحسب الأولية _ وكيف يمكن التعامل معها، وما هي الجهات والمؤسسات التي يفترض ان تلعب دورا حاسما في التصدي لها؟
- اكثر خطر تواجهه اليمن الان هو استمرارية الحرب وتأثيراتها النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تحتاج لتدخلات سريعة حتى لا تتحول هذه التأثيرات في ظل اهمالها الى مشاريع لبؤر صراعات جديده خاصة في ظل تنامي ثقافة الكراهية والعنف الاجتماعي كما أنه من الاخطار هو تنامي الإرهاب في اليمن والذي يحتاج الى التعاطي معه عبر خطة وطنية تتفق عليها كافة المكونات اليمنية بحيث تتعدى الاكتفاء بالألية الأمنية الى استخدام منظومة شاملة وطنية تشارك في تطبيقها كافة مؤسسات الدولة و. وفي تصوري أن ضرورة عودة مؤسسات الدولة للعمل وإعادة التأهيل والتدريب لكوادرها من الضرورات الملحة لمعالجة اخطار هذه المرحلة بحيث تعود للعمل بشكلها الطبيعي في كافة المناطق وخاصة التي طالتها الحروب .
-المستقبل اونلاين : هل تعتقدين ان ثورة فبراير لا تزال قادرة على إيجاد حامل سياسي يعبر عن تطلعاتها ويكون حامل مستقبلي للرؤى والشعارات التي انطلقت من اجلها؟
ثورة 11فبراير كانت روح ثورية انطلقت وستضل مستمرة حتى اكتمال بناء دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية لجميع اليمنيين ، وأنا من الذين يعتبرون أن أي اطراف سوف يتفقوا ويناضلوا على ان تكون مخرجات الحوار الوطني هي البرنامج السياسي لهم فسوف أعتبرهم حامل سياسي لتحقيق اهداف ثورة 11 فبراير كون المخرجات ضمنت كافة اهداف ثورة فبراير ، لذلك أتمنى بعد انتهاء مرحلة الحرب واسقاط الانقلاب ان تجمد جميع القوى السياسية اعمالها لفترة زمنية معينة وتلتف في جبهة عريضة تكونها من اجل وضع مخرجات الحوار كبرنامج سياسي لها وبعد فترة زمنية يتفق عليها تكون فيها الأحزاب السياسية قد راجعت تجربتها السابقة وقيمت اداءها وساهمت في بناء أسس الدولة بعد ذلك تعود وتمارس عملها السياسي والحزبي او تتجدد عبر أحزاب جديدة ، ولا يفهم هذا التوجه مني بأني ضد الأحزاب او العمل الحزبي فهذا امر لا يمكن أن يقبل وقد عرفت اليمن تجربة التعددية الحزبية والديمقراطية وانما اذا تم تنفيذه يجب أن يتم بتوافق تام بين كافة المكونات السياسية على ان يكتفى بتشكيل مؤسسات الدولة الضامنة لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني وبمشاركه جميع المكونات ويكون هدفها الوحيد لمرحلة زمنية قادمة .كما أنه ممكن أن يتشكل شباب الثورة بشكل مستقل في مكونات مدنية سياسية ويكونوا قوى فاعلة في مجال الرقابة والدفع باتجاه تنفيذ هذه المخرجات .
-المستقبل اونلاين : كيف تقيمين أداء الرئيس هادي في المرحلة الانتقالية؟
الرئيس هادي ادار اليمن في فترة ومعطيات ليست بالسهلة ولا الهينه كما يعتقد البعض ويتهمه من خلالها بالضعف ، الرئيس هادي ليس ضعيفا بل كان حكيما في التعامل مع ارث الماضي الذي ساد اليمن وهو شجاعا عندما يصل الى المحطات التي لا يكون معها غير استخدام القوة منهجا ولكن مشكلة اليمن انها اعتادت على تقييم الضعف والقوة وفقا لمعطيات الثقافة التي اعتادوا عليها من نظام على صالح .وهو مالم يستوعبه علي صالح وعبدالملك الحوثي فكانوا يعتقدوا أنهم سوف ينفذون من خلال ما يعتقدون أنه ضعف عند الرئيس بينما كان هو منهجا لديه لكي تخرج البلاد من ارث الماضي ولكنهم كانوا الأقرب للغدر به ..ولا يعني هذا أن الرئيس هادي ليس لديه أخطاء فهو أيضا ما يزال حبيس بعض الأنماط لأداء ثقافة النظام السابق في إدارة البلد وفي تصوري تكمن المشكلة الرئيسية للرئيس هادي أنه لا يمتلك مؤسسة الرئاسة ذات الخبرة الإدارية التي تنافس ارث صالح في التعامل مع الواقع اليمني بالإضافة الى عدم توحد مواقف القوى السياسية شمالا وجنوبا معه وهو ما كان يضعف اداءه في كثير من المحطات ويستفيد منها طرف صالح والحوثي .ولذلك كلما اقتربت القوى السياسية شمالا وجنوبا من التوحد في جبهة واحده مع الرئيس هادي وإصلاح أداء مؤسسة الرئاسة بخبرات تنافس الطرف الاخر في تقديم نموذج كلما قوت جبهة الشرعية وهو ما نحتاجه حتى يكمل الرئيس المهام الانتقالية وصولا للاستفتاء على دستور جديد واجراء انتخابات جديدة يخرج من خلالها الرئيس هادي من المشهد اليمني.
- ما التي تعنيه لك هذه الكلمات التالية
1- الجمهورية :- هي اللحظة التاريخية التي جسد من خلالها اليمنيون نضالهم ضد الاستبداد والظلم شمالا وجنوبا بثورتي سبتمبر واكتوبر وهي اللحظة التاريخية التي سطر بها اليمنيون احلامهم بالتوحد فكانت الجمهورية اليمنية .. وهي اللحظة التاريخية التي أتمنى أن تعلن قريبا وتكون (جمهورية اليمن الاتحادية )الضامنة للخلاص من كل أنماط الاستبداد السياسي والاجتماعي الذي استمر في كل الجمهوريات السابقة
الوحدة :- .الوحدة الحقيقية هي الوحدة القادرة على إدارة التنوع والسلطة والثروة بشكل عادل ومنصف وهو ما فشلنا فيه في اليمن عبر الوحدة الاندماجية واتوقع ان شكل الدولة الاتحادية الذي تم التوافق عليه في مخرجات الحوار الوطني سيكون أكثر قدرة على إدارة التنوع والسلطة والثروة في اليمن خاصة في ظل القوانين الاتحادية المعبرة عن ذلك وهو ما سوف يعزز قيم التوحد بشكل اكثر عمقا وفاعلية .
الديمقراطية:- هي الثقافة التي ما نزال نحتاج الى تعميقها بشكل اكبر كثقافة عربية ولعلنا سنكون بحاجة الى مراجعة ثقافة الاستبداد الذي تزخر بها منظومتنا التاريخية العربية
-المستقبل اونلاين : كلمة أخيرة توجهيها للوفود المشاركة في الكويت وللمجتمع اليمني ..
أي توافقات سياسية لا يكون مدخلها العدالة لن تنجح في اليمن لذلك لا خيار معكم الا التمسك بالمرجعيات كمدخل لإنجاز هذه العدالة .