أشياء أنثى وأحلام هتلرية...!!! " قصة قصيرة "       ..            لبنى عون
المستقبل أونلاين _ فضاءات

   لبنى عون

1

بتثاقل تجتاز صالة البيت يسبقها حنين كبير لسريرها... تعبر ‏باب غرفتها البني اللون... تقف لا شعوريا على قاعة الغرفة ذات البلاط المرمري المغطاة بسجاد شيرازي على شكل صدف بألوان بنية متدرجة...‏ تنزع عنها الفستان الأزرق وتعلقه داخل دولابها ...ترتدي ثياب النوم الصوفية وتلقى ببدنها المنهك على سرير ملتصق بجدار وركن الغرفة يحتل قاعتها على شكل زاوية قائمة.

تلقي جانبا كل ما يجول في رأسها من ضجيج الأفكار برغبة النوم.

تغمض عينيها...تمر برهة حاولت أثناءها عدم التفكير في أي شئ أي شيء دونما جدوى.

لا تكاد تنقضي دقيقة حتى تنقلب على جنب لها... وبدلا من توسد مخدتها تبعدها وتغطي رأسها ووجهها بها.

تتمنى لو كان النوم إنسانا لصارعته حتى يذعن لها فيمنحها الهجوع الذي يعاف جفنيها.

تجتر نهدة عميقة وجلبة الأفكار تحوم في وعيها تطالبها باتخاذ مواقفا جديدة مغايرة حيال نمط حياتها اليومية الرتيبة على غير مشيئتها على غير ارادتها وتوشك أن تأتي على غاياتها وتحطمها تحطيما كاملا.

تسحب جسدها حتى صارت  شبه جالسة وراقدة وقفا رأسها يتوسد مصطبة السرير.

تهمس بصمت في نفسها لا بد من فعل شيء ما وإلا فإنها لا محالة ضائعة ضائعة.

لم تعد تعبأ بلون الغرفة الأبيض عدا ركنها الذي يأخذ لونا سماويا.

يقف بصرها على طاولة الكمبيوتر مع كرسيها أمام باب الغرفة.

تحدق على أشياء حطتها على الطاولة صور تخرجها وصور طفولتها ؛ وقلص مرسوم عليه سبونج بوب أطفال كرتون فيه اقلام احضرتها معها عند عودتها من ماليزيا.

 

تجتر نهدة أعمق وهي تتمعن في مجموعة كتب مختلفة أغلبها روايات إنجليزية وكيف أن الغبار أخذ يترسب عليها بسبب وعودها المتكررة لها بقرأتها حتى باتت خجلانة من عدم الوفاء بقرأتها ؛ وبجانب تلك الكتب مصحفها الكبدي اللون...تهمس بنفسها حتى المصحف بات هو الآخر مهجورا فالطف بي يارب.

لابد مما ليس منه بد... ولكن كيف؟... يا إلهي ساعدني.!

ذهبت تبحث عن فكرة تبني في ضوءها خطة واضحة تسير عليها علي الأقل خلال الفترة التي تفصلها عن العثور على وظيفة في مجال تخصصها.

وبالها يفتش عن فكرة مثلى مناسبة تنقل بصرها من علي 

طاولة الكمبيوتر لطاولة اخرى طويلة عليها كرواشية من خياطة خالتها وبداخلها كتبها وملفاتها وايضا بعض من احتياجات الرسم.

‏تلقائيا يتجه بصرها إلى جدار الغرفة وتحديدا ناحية صورة فيتنامية هي نوعا ما صورة غريبة على هيئة حبال تتلاعب بها فتتفرق الصورة وعندما تقف يظهر داخل الصورة بحر وقوارب وأبقار ومنازل تعكس بعضا من تراث فيتنام.

في الصورة أيضا ثمة رجل فيتنامي على قارب مع قبعته.

ثمة ريح يصر خارج نافذة الغرفة يبدو أنها ستمطر تهمس في نفسها " أوووه يا إلهي رغم حبي لمنظر لون المطر حينما ينزل وعشقي للعب بين أمطار إلا أنني هذه المرة يلوح لي أني سأحرم من الاستمتاع به...وكيف سأستمتع به والبيت لا يكاد يتوقف من الزيارات وإقامة مأدب الاستقبال للضيوف؟

 أوووه يا إلهي سيتحول المطر إلى نقمة إضافية بدلا من كونه نعمة سيكون كل من يصل يجلب مع احذيته خلب الطين لصالة المنزل والأولاد يلعبون بينه وسيوسخوا أرضية البيت وكله على ظهري" .

ثمة انفجار كبير يدوى في أرجاء المدينة تهتز له جنبات الغرفة وارتعشت منه النافذة ولولا أن الدولاب داخل الجدار بسبب وجود مساحة كبيرة تم استغلالها ليوضع داخل تلك المساحة لكان قد وقع وألقى بمحتوياته.

شاهدت الميداليتين تتحركان كزنبور الساعة الحائطية كانت الميدالية الاولى عبارة عن بيكاتشو اشترته حينما كانت لا تزال طالبة بالصف الثالث الابتدائي.

تجر نهدة جديدة أكثر عمقا وهي تستنكر ذلك اليوم الذي اشترت فيه تلك الميدالية ... ترحل عبر المداءات الزمنية فتجدها عشرون عاما قد  خلت منذ اقتنت هذه الميدالية.

تهز رأسها... تتمنى لو يعود الزمان للوراء لقبضت عليه وأوقفته عند ذلك العام حينما كانت لاتزال طفلة.

تنهض من على سريرها تتجه صوب الدولاب توقف الميدالية من الحركة تتذكر الفارق بين مسكها الان ومسكها أول مرة قبل عقدين "يا له من فاااارق كبير...كان عمري سنوات تسع... والأن لا يفصلني عن الثلاثون عاما سوى عامان؛ وكان اليوم يوم عيد الأضحى المبارك بينما الليلة لا عنوان لها سوى عناوين الحرب المجهولة وذ

دوي الانفجارات التي تألف الناس مع دويها... يومها كانت أحلامها بسيطة وبريئة وممكنة التحقق اليوم باتت أحلامها صعبه المنال أن لم تكن مستحيلة فأحلامها تكاد تنطمر على رغم أنفها تارة بفرض الواقع المجهول للحياة على هذه الأرض؛ وتارة للواقع الرتيب الذي فرض عليها أن تتجرع نتائجه داخل هذا البيت ومع هذه الأسرة الحبيبة التى شاء لها القدر أن تكون وحيدتها.

كم هو متعب أن تكون الفتاة وحيدة بيت لا يخلو من الزيارات والمناسبات.

حين اشترت تيك الميدالية قبل العقدين  دفع ابيها ثمنها 300 ريال وكانت أول عيدية لها من ابيها الذي غادرها في وقت هي بأشد حاجاتها اليه... كانت الساعة الثامنة ونصف الساعة صباحا.... تكرر في صمتها كم هو الفارق كبيييير؟" .

تمسح الميدالية ... تطبع عليها قبلة كأنها تطبعها على يد أبيها الفقيد وتعيدها لمكانها على معلقتها على الدولاب"يجب أن اعتني بها فلاتزال رائحة ابي ولمساته عليها عابقة ".

تحدق بالميدالية الثانية كانت عبارة عن هدية جونيه تضغط عليها يطلع صوت قطة أعطاها اياها الرجل الذي ادى نيابة عن ابيها فريضة الحج.... ضغطت عليها فصدر صوت القطة.

دوى انفجار ثاني ولكن بمكان يبدو أنه وقع على الضاحية الجنوبية للمدينة... تفتح النافذة احترازا من وقوع انفجار قريب قوي فيتطاير زجاجها ويؤذيها؛ وتعود إلى سريرها تعيد تسوية الملاية الفاتحة الاخضرار؛ وتندس تحت البطانية من جديد وليس داخل رأسها سوى يا إلهي ما العمل؟

هل يمكن لي أن أكون كما أشاء؟

لأكون كما أشاء مترجمة وأديبة تترك للكون بصمتها في سرد زمنها الخاص والعام.

كي أكون كاتبة تعكس رؤيتها للحياة والواقع في كتابات أدبية ... لأكون كذلك ينبغي علي القيام بجملة أشياء كثيرة مهمة.

 

تضحك بسخرية في نفسها ضحكة قصيرة ساخرة... اههه هههه ضحكة غير مكتومة سمعتها خرجت من صدرها... ولذلك كتمت ما يجول برأسها:

- ما أسوأ أن ترى ما تريد أن تكونه في طريقه للتلاشي والذوبان؟. 

بل كم هو مؤلم أن من يفترض أن يكونوا أول من يؤمنوا بمواهبك هم أول من يجهلك؟.

أين أنت يامن كنت أول من سيؤمن بي!!!

ومع ذلك لن أكون شيئاً فائضا عن القيمة... إن هي إلا مسافة زمن وسأكون كما قال محمود درويش "سأكون يوما ما أشاء" .

سأجعل لأفكاري أجنحة تطير إلى غاياتها البعيدة.

وحيال هذه العبارة ذهب خيالها يطوف ويطوف ويطوف في اللاشياء لعل وعسى أن تترنح ذاكرتها من التحليق غير المنظم وتتعب وتنسلخ نفسها عن بدنها وتناااااام.

عملت على أن تفكر بفوضوية فمن الفوضى احيانا تتخلق حياة أخرى افضل.

نعم .... ما يمنعني أن أكون أنثى هتلرية ما دمت سأحقق ما أصبو إليه من أهداف عمري؟.

إن المرأة الشرقية تقبع في وسط معاد للتغيير.

أليس التغيير يبدأ بالذات ... إذن سأبدأ من ذاتي وليحدث ما يحدث.

ترحل بذاكرتها لخطة هتلرية كفيلة بالحد من هذه الزيارات التي لا تتوقف وتعطلها عن اهتمامها بواجباتها حيال ما يجب أن تكونه.

الحقيقة أنها لم تعد تستطع القراءة ... قراءة الروايات التي جهزتها لتقرأها باللغة الإنجليزية وتاليا باللغة العربية لتعرف كيف استطاع المترجمين نقل تلك الروايات نقلا روحيا ولفظيا.

والحقيقة أيضا أنها لم تعد تستطع القيام بإعادة تدريس ذاتها بذاتها عددا من كتب القواعد العربية والأدبية لكون تحصيلها الدراسي يعد أسوأ تحصيل لبني جيلها فقد التحقت بالجامعة وتخرجت في سنوات الثورة و الحرب والفوضى

. ... سنوات التعليم الفوضوي والعبثي .... سنوات اللاتعلم واللاتعليم ... ولهذا تشعر أنه ينبغي عليها الاعتكاف القسري على إعادة تعليم ذاتها بذاتها حتى تكون متمكنة في تخصصها تمكنا كافيا.

 

والوقت يمر .... وامامها فرصة مواتية هي حالة الفراغ التي تعيشها البلاد فيجب أن تستفيد منها في تعويض ما كان يجب أن تتحصل عليه في تعليمها الجامعي.

فجأة وكأنها امام فيلم كوميدي ليس مهما من انتجه هوليوود أو بوليوود بقدر ما يهم انه فيلما ناجحا.

ثمة هدوء بدأ يغزوها والنوم يدنو منها بعد أن كان قد فارق جفنيها كثيرا وباتت حدقات عيونها المفتوحة بحجم فتحة كأس الشاى تتقلص وتخفت.

هههههههههههههه....  تضحك للفكرة المجنونة ... الحفرة... 

يبدو أنها ستمطر .... تسمع قطرات المطر خارج الغرفة... البرد يزداد ويزداد... ونسيم ريح يدلج الغرفة ويداعب خدها.... تخشى أن يصيبها البرد فتجد نفسها مصابة بالزكام ثانية وهي ما صدقت انها كانت قد تخلصت منها قبل بضع  أسابيع.... تثب وتغلق النافذة ... أكيد لن يعاود الطيران الضرب هكذا همست وهي تنزوي داخل البطانية.

ارتاحت لفكرة الحفرة الهتلرية.

وبسبب ارتياحها لها بدأ الوهن يتسرب إلى جسدها ونفسها وعقلها خاصة وقد بذلت جهدا كبيرا نهار اليوم المنصرم في خدمة الضيوف الذين زاروا جدتها عند ظهيرة النهار ولم يغادروا المنزل سوى قبيل منتصف الليل بدقائق معدودة.

حاولت ترتيب فكرة الحفرة دون جدوى فقد بدأت عيونها تنطفي أثناء ما كانت تحاول ترتيب الفكرة.

تأتيها من أغوار الذكرى العابقة في ثناياها جملة مصحوبة بقهقهات جدتها " يا غريب أوقع أديب".

تتسارع شقاوة أحلامها الابادية... 

ستحفر حفرة كبيرة ؛ وستعمل فيها أنابيب تبث النار؛ وبمجرد أن يضغط زائر على جرس المنزل يختفي وهو يضغط الجرس.

ستخفي علامة الحفرة بسجادة جميلة من المنزل ... وهنالك رائحة بخور ستكون تفوح من داخل الشقة مستعدة لاستقبال ( الزوار الأدباء ).

نامت جسدها وانطفئت عينها ولكن عقلها راح يكمل الفكرة تلقائيا.

رأت انها  واقفة خلف العين السحرية... ترى ما يحدث لكل من يضغط جرس المنزل... كلما سقط زائر ترقص وتغني وهتلر يعزف على أورج روسي ... الغريب أنها رأت هتلر يغني اغنية للفنان اللبناني راغب علامة "لا تلعب بالنار النار تحرق صبيعك اللي بيشتريك يمكن يبيعك".

 

فجأة يختفي هتلر وترى في نومها تغيرا طرأ على الخطة لكأنها أوحى إليها أنها ليست أنثى هتلرية فصفاتها وطباعها تتنافى مع شخصية هتلر النازية وفزت من نومها مذعورة وهي تتعوذ بالله من الشيطان الرجيم لمحت الستارة تتحرك واستغربت متسألة " ألم أغلق النافذة؟".

قفزت من سريرها فوجدت النافذة محكمة الإغلاق عدا الجزء المربع أعلى النافذة كان مفتوحا و منه يتسرب الريح والبرد... أدركت أن حلمها الهتلري لم يكن سوى بفعل البرد.

تعود وتلقى ببدنها على السرير وإن هي إلا برهة  انقضت حتى رأت في نومها جملة مكتوبة تحت صورة ابيها المعلقة على جدار صالون البيت بحجم عريض "التبادل بالحجم والوزن" .

وكأنها اقتبستها من حادثة سيدنا ابراهيم عليه السلام.

إن كل زائر سيزورهم لا يعود إلى اهله سالما الا اذا اسرته قدمت فدية له وكل بحسب وزنه وحجمه فمن حجمه ووزنه خروف يقدم لفديته خروفا ومن فديتها بقرة تفدى ببقرة وهكذا بثور وبجمل الخ الخ.

رأت أن أمها تحد شفرت السكينة وتوجها صوب رقبة شخص وهو محدد  الي القبلة وكانت تنطقه الشهادتين رحمة له وتوشك أن تذبحه وفجأة يرن هاتفها فتتناوله لترد على الهاتف فإذا به صوت غير غريب لأحد الاقارب كان يصيح " ابلغي أمك أنني الان قريب من البيت أسوق قدامي خروفا".

صاحت على أمها" انتظري الفداء بالطريق". 

- والله أنني سأذبحه على شان ترتاحي .

فصاحت ... توقفي ... توقفي .... ماما توقفي... وأخذت تصيح.

وهنا فتحت عينيها لتجد امها فوقها... ويدها فوق جبهتها... وعلى لسانها ترانيم:

- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ... بسم الله الرحمن الرحيم....  ايش من كابوس هذا سمعت صوتك إلى غرفتي.

وهي ترتجف ... انا أسف يا أمي غدا ساحكي لك الحلم... وعادت لنومها.

في الصباح وهي تحكي لأمها ما رأته في نومها يتصل أحد الأقارب قائلا:

- خذي بحسبانك أنني و الأسرة اليوم كلها سنكون ضيوفكم. يسقط من يدها الهاتف وعلى أثره تسقط على قاعة الصالة المبلطة بالرخام الصلب وأغمي عليها.

متعلقات