بساق بترت إثر إصابته في إحدى جبهات القتال بمحافظة تعز وسط اليمن، وأخرى تتآكل نتيجة الإهمال الطبي بعد إصابتها بشظايا تسببت بجروح عميقة فيها، وعدم قدرة الشاب العشريني" محمد أحمد على إكمال العلاج، بعد أن دفعت أسرته كل ما تملك لعلاجه، لكنها لم تفلح.
يمشي" أحمد" في شوارع المدينة متكئا على عصاه، فاقد الأمل بكل شيء، يقول لـ" المستقبل أونلاين" قتلنا لأجلهم، ولكن بعد أن جرحنا لم يلتفت لنا أحد، وضاع مستقبلنا لأجل البلد التي أردناها أن تكون حرة وستكون.
وجع لا ينام
بسام الشرعبي هو الآخر واحدا من بين 12000 ألف جريح في تعز، تكتظ بهم المستشفيات التي لا تستطيع أن تقدم لهم إلا القليل لتخفيف معاناتهم، وأحيانا لا تستطيع، ويبقى الجميع يراقبوا الجرح البسيط، وهو يكبر أكثر وأكثر، ويقضي على ما تبقى من أحلام أولئك الجرحى.
يروي لـ" المستقبل أونلاين" الشرعبي، والدموع مليء عينيه، أنه لا يستطيع أن ينام في أغلب الأوقات، نتيجة الجراح الكبيرة التي في بطنه، بعد إصابته بشظايا واختراق الرصاص الحي لها.
أجرى الأطباء له عمليتين جراحيتين، لكنه ما زال بحاجة إلى إجراء عملية أخرى، لإخراج الرصاصة التي تستقر بالقرب من عموده الفقري، وبحاجة كذلك لعلاجات كثيرة، لجروح العمليات السابقة التي كانت كبيرة، وحصل لها مضاعفات.
ويضيف" صرت أخجل من أن يسمع أهلي في المنزل أنّاتي الكثيرة، وصرخاتي أحيانا"، مستطردا" أشعر أني حين أصرخ أخفف عن نفسي كثيرا، ولكن أعلم أني أتسبب بالألم النفسي للآخرين، لكني أعاني جسديا ونفسيا بشكل لا تتوقعوه.
يحاول أن ينام الجرحى، لكن جراحاهم لا تنام، وكثيرا ما تستيقظ ليلا، لتقربهم كل يوم أكثر من الموت، ولكن الموت لا يأتي سريعا، فلا يمانع البعض منهم بالتفكير بالانتحار، أو بيع كليته للحصول على علاج، مثلما روى لنا أحد الجرحى الذي فضل عدم الكشف عن اسمه.
ويتفق العشرات من الجرحى في تعز الذين تحدثوا لـ" المستقبل أونلاين" أن الحملات الإعلامية لا تجدي، في ظل غياب أي دور للحكومة الشرعية التي لا تتعامل بمسئولية مع قضيتهم.
وهم يسخرون من دعوات رئيس ما يسمى" اللجنة الثورية" محمد علي الحوثي، الذي قال إنه سيتكفل بعلاج بعض الجرحى، مؤكدين أنه كان القاتل وسبب كل هذه الجراحات، فكيف له أن يكون المُنقذ.
مدينة الجرحى
باتت تعز الذي ذاق أهلها أشد ويلات الحرب، على يد مليشيا الحوثي وصالح، جديرة بحمل لقب" مدينة الجرحى"، إذ كشفت مؤخرا مؤسسة رعاية التنموية عن وجود أكثر من 12000 جريحا في تعز، منهم 506 امرأة و936 طفلاً، كما خلفت الحرب 91 معاقاً و54 من مبتوري الأقدام و530 جريحاً يحتاجون للسفر للخارج.
يعيش جرحى الحرب في مدينة تعز، التي اندلعت الحرب فيها من مارس/ آذار العام الماضي، ظروفا إنسانية مأساوية في ظل الإهمال الحاصل لهم، يترافق ذلك مع عجز مستشفيات المدينة التام عن تقديم الرعاية الطبية لهم، بسبب الحصار الذي تفرضه مليشيا الحوثي وقوات صالح على المدينة، وضراوة الحرب فيها.
ويناشد حقوقيون ونشطاء الحكومة الشرعية والتحالف العربي، لإيجاد حل حقيقي وعاجل لمشكلات الجرحى التي تتفاقم يوما بعد آخر، وتودي بحياة العشرات منهم، الذين يزداد وضعهم سوءا.
في المدينة التي تحتضن 12000 ألف جريح، ما يزال أنينهم يملأ صداه المدينة، لكنه لا يصل إلى الشرعية في اليمن، وإلى المنظمات الدولية التي تصم أذانها عن معاناتاهم، والأصوات الحكومية الخافتة التي تأثرت وقتيا فقط، لم تقدم لأولئك المثخنين بالجراح شيئا.
اختبار للحكومة
في السياق، يقول الناشط الإعلامي متولي محمود، إن قضية جرحى المقاومة تعد اختبارا حقيقيا لمدى جدية الحكومة الشرعية، ومن خلفها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.
وقال لـ"المستقبل أونلاين" إن الاهتمام بالجرحى الذين يدافعون عن الشرعية، يعني تكريم تضحياتهم، وبالتالي النية للسير قدما على دربهم، والشهداء الذين قضوا قبلهم.
كما اعتبر"محمود" أن تراخي الحكومة تجاه قضية الجرحى، هو من سمح لرئيس ما يسمى"اللجنة الثورية" التابعة للمليشيا محمد الحوثي، بإهانتها، عبر تزمته وإعلانه الاستعداد لعلاجهم، واستطرد أن ما حدث كان لطمة موجعة في خد الشرعية التي وصفها ب" المعاقة"، موضحا أن"الحوثي" لن يفعل شيئا، بقدر استغلال التراخي الحكومي للمزايدة ليس إلا.
وأضاف الناشط"متولي" أن الجرحى الذين جرحوا وهم يلوذون الخطر عن مدينتهم من" التغول الطائفي"، ويدافعون عن الشرعية، ليس كأشخاص، لكن كمبدأ، هم بحاجة إلى عناية فائقة، لافتا إلى أن" ترك جرحى مقاومة تعز بلا علاج، يعني أن أي تعويل على الحكومة المدعومة من التحالف، ليس سوى ضربا من الوهم".
حلــــول
تبدأ الحملات الإعلامية التي تأخذ صخبا كبيرا لمدة يوم أو يومين، ثم تنتهي وينسى الجميع؛ ويبقى الجرحى مع أوجاعهم، لا يعيشها إلا هم، فبات من الضروري إيجاد حل جذري للتخفيف من معاناتهم.
يرى الناشط الإعلامي والحقوقي عبدالحكيم مغلس، إن أقرب الحلول وأنسبها للتخفيف من معاناة الجرحى ليس السفر للخارج، وإن كان السفر ضرورة لكثير من الجرحى، فهناك العديد منهم بحاجة للرعاية الطبية وللأجهزة التخصصية، وكذا بعض الجراحين من ذوي التخصصات النادرة.
وأضاف لـ"المستقبل أونلاين" أن تلك المشكلات يمكن حلها بشكل جذري، وبصورة تحقق منفعة مستدامة، من خلال إعادة تأهيل بعض المرافق الصحية في مستشفيات المدينة التي دمرتها الحرب، وكذا بعودة الكادر الطبي الذي غادر المدينة بسبب زيادة حدة الاشتباكات في المحافظة.
لافتا إلى أن ذلك يتطلب إمكانيات ودعم، واستشعار المسؤولية من قبل القيادة الشرعية تجاه من ضحى لأجلها، وهو الأمر الذي لم يلمسه أي من الجرحى أو المواطنين.
ووصف الناشط "مغلس" الجرحى ب"الكرامة النازفة" للمدينة المخذولة من قبل السلطة الشرعية، مؤكدا أن" أشهر من الوعود الكاذبة والتسويف المميت مرت، ومازالت مراراتها يتجرعها الجرحى حتى اليوم، ولا مبشرات بحلول قريبة لهم".
يُذكر أن نشطاء وجرحى سخروا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من توجيهات الشرعية في البلاد، التي وجهت بتشكيل لجنة لحل مشكلة جرحى تعز عبر وزارة الصحة العامة والسكان والجهات المتخصصة، وتساءلوا أين ذهبت اللجنة السابقة التي خصصت لذات الأمر.
ومؤكدين أن الجرحى يعيشون بين حكومة الشرعية قادرة على علاجهم لكنها غير مسئولة، وقاتل يسقط على يديه العشرات من الجرحى الجدد يوميا.