الكلمة تراث ... سمية محمد الغيلي
2018/09/26 - الساعة 02:15 مساءاً
المستقبل أونلاين _ فضاءات
الكلمة تراث واللهجة إرث الأجداد، فليش التفريط في اللهجة، وما يضيع الإرث إلا سبهللة!
بعض الواحد ما يخرج راسه من الطاقة" النافذة" إلا وهو بيهدر بلهجة الناس اللي في الشارع، وِيفَلِّت لهجته، ولا كأنه بينزع لسانه من وسط فضيحة يشتي " يريد " يغطيها!
وبعضهم قده مِتجَمِّل من نفسه " سعيد بها " حين قد صبر على لهجته لا باب الطيارة ويخلعها مثلما يخلع جبة البرد على دخلة الحَمَى!
أخبرنني صديقات من جنسيات مختلفة، أن اللهجة اليمنية من بين اللهجات العربية الأخرى يجدن صعوبة في فهمها؛ فهنّ قلما يجدن يمنية تتحدث بعض كلمات من لهجتها، وقد لا يتحدثن بها مطلقًا.
الله المستعان!
ليش هكذا يا أبو يمن، هذا واحنا مش احنا قلة!! هذا واحنا منتشرين في كل زوة "مكان" مثل المستعمرات، ونحتفظ في كل بلاد بيمن مصغرة.
قلي بـالله كيف بتفعل لما تكون في مجلس من مختلف الجنسيات وكل واحد راكز راسه وبيتحاكى " يتحدث" بلهجته، وأنت تجي وكل اللهجات معاك وكأنك مدجج بسلاح، تتحاكى بلهجة هذا وذيه وضاك، ولهجتك مركونة فوق الصفيف "الرف" قد ملانها غبار.
يا عيبتك والقسا!!.
إنّا ما سَوَّت " صنعت" بكم لهجتكم؟!
مكرت بكم؟! تآمرت عليكم؟!
عادي.. ارفعوا عليها قضيتكم وحاكموها، وشلُّوا حقكم منها؛ لكن لا تفلتوها " تتركوها" خلفكم مثل فردة قديمة، وِتبدلوها بغيرها، ويسعم إن غيرها أحسن منها، وفيها الكمال؟!.
لا بأس من استعارة بعض كلمات من لهجات أخرى.
لا بأس في بعض المواقف، لا بأس في أحايين نادرة، لا بأس إذا دعت الضرورة للتحدث بلهجة أخرى.
لكن مش واصل واصل واصل وبشكل دائم ومتكرر، ولا كأنه راكب سيارة بلا فرامل وما عاد عرفش كيف وأيحين يوقف، وعاده عاد، عاد وحتى وهو في بيته يتحاكى بغير لهجته، مدري هو قده مصروع، ومفجوع، أو قده نخيط وزنط! ومدري ما يسوّي بعضهم لو زد نشف ريقه من ماء بلاده؟!.
ويا حيانا من الله!..
فعلا أشعر بغثيان عندما يحدثني ابن بلدي بغير لهجتنا التي رضعناها وحليب الأم معًا. فلا يكتفي من استعارة بعض كلمات وحروف، بل وحتى لكنته ونبرته وطبقة صوته يحركها يمينا ويسارا، للأعلى وللأسف، وكأنه يجرب تشغيل لعبة، وكأنه أجرى على حنجرته تعديلات تتناسب مع مكان إقامته الجديد.
صدقني يا أبو يمن بأن لهجتك اليمنية تليق بك أكثر من غيرها.
لهجتك اليمنية حلية لسانك مثل نقشة على ستارة صنعانية.
لهجتك اليمنية تزين كلامك مثل سيم المفضلي على حزام الجنبية.
والبعض يعجن ويشقلب ويعصد اللهجات عصيد، ولهجته معلقة على حبل مشنقة مريعة للحظة خلاصها لأجل ترتاح منه. ويجي يقول ما أحد بيفهم الحُكى اليمني.
أكيد أنت السبب وأنت مخبيها قفا العسيب لا أحد يمرعها، وما جبت لهم فرصة يتعرفوا على شكلها لأجل يميزوها لو التقوها في أي زمان ولا مكان..
وخلي الطريق سالك للي يجي من بعدك..
البعض يرى أن التحدث إلى الغير بلهجتهم نوع من التودد، وتوطيد العلاقات.
يا سيدي!! لهجتك عصيدك ومتّنه. أولا تودّد لنفسك، ووطد علاقتك مع لهجتك، وما عذر من خير، كل شيء عيسبر..
اللهجة اليمنية خارج اليمن في كساد، اعتبرها يا ابن بلدي لون من ألوان السياحة وسوّق لها، وخليها بوابة يتعرف العالم من خلالها على بلادك.
لهجتك يا أبو يمن تكحلت بتراب بلادك وتنتظرك تتصالح معها، ويكفيها خيبات وخذلان، كما والهجران شوعته شوعة..
وخذها مني نصيحة، أين ما رحت بزّ لهجتك معك، وخلي العصيد والمرق والفحسة وبنت الصحن يتعرفين عليك.
وكيف يتعرف عليك بُنّ الموكا، ويصدق إنك أنت وهو من طينة واحدة إذا لهجتك مش هي معاك؟!
خلي لهجتك تطل على الدنيا وتعرف بنفسها إنها أصيلة كبوابات اليمن، راسخة رسوخ مباني صنعاء القديمة، عريقة مثل دار الحجر الممتدة جذوره تحت صخرة من مئات السنين.
متعلقات