كل مساء ، بعد أن تذهب الشمس – التي لوحت أجسادنا بأشعتها الحارقة– كي تنام ، ويفرض الليل سطوته وجبروته ، حتى أختلي في غرفتي بحاسوبي المحمول ، القديم إلى حد ما ، المليئ بالكتب ، مئات الكتب ، إن لم أقل آلاف الكتب الإلكترونية التي يزعمون باطلا وبكل وقاحة أنها خالية من الروح !! هناك، أركب قاربا وهميا ، وأمخر عباب الأدب . باحثا عن إجابة لسؤال مؤرق يؤرقني و يقض مضجعي ، وهو هل هناك معنى لحياتي ، لهذه الحياة التي تنسل من يدي مثلما ينسل الماء؟
هذا المساء ، مثل مساءات عديدة ، أعود من العمل في حوالي السادسة ونصف ، أحتسي كأسا من القهوة بالحليب . ثم أصعد على متن قاربي ـ وأبدأ في إختراق هذا البحر الذي لاحد له من الكلمات الهائجة ، أصادف ، شخص ، على متن قارب خشبي ، وجهه مميز إن لم أقل قبيح ، مليئ بالدمامل ، منتفخ البطن ، يكرع الويسكي من فم القنينة ـ يخيل إلي أنه يشبه بوكوفسكي ، الشاعر المتمرد على كل مؤسسة ، والمؤسسة ، كما نعلم ، سلطة ، وبالتالي يمكن القول أنه متمرد على كل أشكال السلطة ، هذا الشاعر الفذ والملعون الذي يحاول الكثير من كتاب تقليده بدون فائدة .
” فالشعر – كما يقول بوكوفسكي – ليس للجميع
ليكتبوه
أو حتى ليقرؤوه “
أقترب منه
يسألني :
– ماذا تريد بالله عليك .
أجيب سؤاله بسؤال آخر :
– هل أنت هو بكوفسكي ..
يتثاءب وهو يحك بطنه ثم يقول :
– يمكن أن أكون أنا ويمكن أن لا أكون ، ما الذي يعنيه الإسم في النهاية ، لكن قل ما تريد أو إغرب عن وجهي بحق الجحيم .
– أبحث عن معنى للحياة
– ماذا
– أبحث عن معنى لحياتي المملة والرتيبة .
فيجيبني:
– حياة الإنسان قصيرة ليجد فيها معنى وكل الكتب ، تقريبا ، مضيعة للوقت ، ثم إني لا أصدق أن هناك من يبجث عن معنى للحياة في الكتب . إنك تبدو مغفلا ، كثلة من الهراء البشري .
– لكن لماذا ؟
– إقترب وسأقول لك لماذا ؟
إقتربت بقاربي حد الإلتصاق بقاربه ، وقبل أن أصعد إلى جانبه كور قبضته وغرسها في بطني ـ إنحنيت من شدة الوجع ، فبادرني بضربة أخرى بركبته للوجه مباشرة ، لأسقط بظهري على القارب وأنا أسيل دما من أنفي الذي تهشم ،.بعد أي ، إنقلبت على بطني وبدأت بالزحف ، ثم انتصبت واقفا ، حملت الألواح و بدأت بالتجذيف بعيدا نحو غرفتي . بينما صوت قهقهات الوحش بوكوفسي المرعبة يتردد صداها في أذني حتى لحظة كتابة هذه الأسطر .
*كاتب من المغرب