من اليمن إلى مصر.. الأمن المائي حلم يراود البلدان النامية
المستقبل اونلاين - سحر محمد / أحمد سبع الليل

يحتاج الانسان الي الماء بقدر حاجته الي الاكسجين فكلاهما لا يمكن الاستغناء عنه، وقديما كان يعتقد أن المياه مورد متجدد ويكفي سكان الارض ولكن الحال اختلف مؤخرا فبات الحصول على الماء كابوس يؤرق حياة أكثر السكان لاسيما البلدان الفقيرة، فكما نصت شرائع الأمم المتحدة أن من حق أي انسان التمتع بالحصول على ماء نظيف يفي حاجته ولكن هذا الحق محروم منه عدد كبير من سكان البلدان النامية، سنسلط الضوء في هذا المقال على دولتي اليمن ومصر كبلدين ناميين يقعان في دائرة الخطر المائي.

 

اليمن:
اوعية بلاستيكية تحمل بداخلها الماء (سر الحياة) يتكبد مشقة حملها الفئة الأضعف في المجتمع من نساء وأطفال في بلد هو الأشد فقرا في الموارد المائية على مستوي العالم، اليمن واحدة من أكثر أربع دول تعاني شح في مصادر الماء وعاصمتها صنعاء هي أول عاصمة في العالم مهددة بالنضوب والاستنزاف!


نصيب الفرد اليمني هو الأدنى عالميا ودون خط الفقر المائي بمتوسط 130 متر مكعب مقارنة بالحصة العالمية للفرد والتي تصل الي 7500 متر مكعب حيث أن خط الفقر المائي قدر بـ 1000 متر مكعب، هذه الفجوة لم تأتى من فراغ ولكنها نتيجة ممارسات خاطئة وغياب للوعي الي جانب الوضع المتردي الاقتصادي في بلد نامي ويعاني صراعات متتالية كاليمن.


فمصادر المياه محدودة جدا وتقتصر علي هبة السماء من الامطار، وعلى الرغم من كمية الأمطار التي تهطل على اليمن سنويا والتي تقدر بـ 60 مليار مكعب الا أن نسبة تزيد عن النصف من هذه الأمطار لسوء الحظ تعد أمطار غير فعالة، فكمية المياه السطحية المتجددة من الغيول والوديان لا تتجاوز 2.1 مليار متر مكعب سنويا إلى جانب ان نسبة ضئيلة تقدر بـ4.5 % هي نسبة التسرب لجوف الأرض لتغذية الخزانات المائية و التي يعتمد عليها اليمنيين بشكل رئيسي في الشرب والاستخدامات المنزلية والصناعية.


شحة مصادر المياه المتجددة في اليمن يقابلها زيادة سكانية مفرطة حيث تضاعف عدد سكان اليمن في اقل من 30 سنة ومن المتوقع ان يصل الي 50 مليون نسمه بحلول عام 2037 وبواقع عجز مائي سنوي قدر بمليار متر مكعب.

 

 اليمن بلد زراعي وتستهلك المياه الجوفية في الري ولكن من بين كل المحاصيل الزراعية يتصدر القات ويستحوذ على أكثر من %90 من إجمالي مياه الآبار إلى جانب أن الحفر العشوائي للآبار الجوفية والذي لا يخضع لرقابة قانونية أدي إلى ظهور مؤشرات لنضوب مخزون المياه في باطن الأرض، فبحسب وكالة الأمم المتحدة للزراعة والغذاء فإن اليمن قد تكون أول دولة في العالم تستنفذ مخزونها من المياه الجوفية.

 

مصر:

الأمر في مصر لا يبشر بالخير كثيرا، فالعديد من الخبراء يؤكدون أن مصر دخلت عصر الفقر المائي بسرعة بالغة، ساعد في ذلك الزيادة السكانية وأزمة سد النهضة التي دخلت في مراحل متعددة.

 

يقول الدكتور عز الدين أبوستيت، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي: " مصر تعاني من الشح المائي، وتقع تحت مستوى الفقر المائي وفقا للتصنيف الدولي للدول التي انخفض فيها نصيب الفرد من المياه، فضلا عن أننا نعتمد على مصدر رئيسي للمياه وهو حصة مصر من مياه النيل وهي ثابتة، في الوقت الذي تعاني منه البلاد من الزيادة السكانية الكبيرة، تفرض الحد من استخدام المياه خاصة في القطاع الزراعي الاكثر استهلاكا للمياه» فكما قيل قديما ان مصر هبه النيل الا انه يجب الاخذ في الاعتبار ان مصدر مصر من مياه النيل يأتي من خارجها وهناك دول مشتركة واي مشروع يقام على منبع النهر قد يؤثر علي حصتها مستقبلا ولا يواكب الاحتياج السكاني السنوي. كما ان الانفجار السكاني يقابله زيادة في الاستهلاك الفردي والاستهلاك في قطاعي الزراعة والصناعة واي سوء في التنسيق وادارة المياه يخلق ازمة في الموارد المائية.

 

الماء في مربع الصراع:
الحرب لا ترحم أحد وتخلق ازمات تحتاج عقود لحلها فقد ابتليت اليمن بحروب أهلية أدت الي انقطاع المياه عن معظم المحافظات نتيجة انهيار البنية التحتية والخراب الذي لحق ببعض محطات المياه والاستهداف المتعمد للأنابيب وخزانات الشرب في مناطق النزاع وارتفاع سعر المشتقات النفطية التي تزود بعضها، كل ذلك من تبعات الصراعات اضافت عبئ واثقلت كهل المواطن اليمني والذي أصبح يتكبد شراء حاجته من المياه والتي تعتبر الأغلى عالميا، لا يتحمل مغبة الحروب الداخلية بلد الصراع فقط، بل قد تلحق بجيرانها ففي مصر تسببت حرب السودان الأهلية وانفصالها  بإيقاف مشروع قناة جنجليي والذي كانت تحلم به مصر لرفع حصتها من المياه .

 

تلوث المياه:

الحصول علي كأس ماء نظيف ليس بالأمر اليسير في أي بلد نامي، ويعد هذا تحدي أكبر من شحة المياه، فإن أي تغير فيزيائي او كيميائي يطرأ علي الماء  يؤدي الي كوارث صحية تودي بحياة الملايين سنويا، فقد وجد أن عدد الذين يموتون بسبب أمراض ناتجه عن الماء الملوث يفوق ضحايا الحروب والنزاعات، وفي اليمن المياه الملوثة تودي بحياة 55  الف طفل سنويا وأكثر من نصف سكان اليمن يعانون من أمراض وأوبئة متعلقة بتلوث الماء مثل التهاب الكبد الوبائي الذي يهدد حياة 3 ملايين شخص بالغ، ونتيجة لظروف انقطاع المياه مؤخرا بسبب ما تمر به البلاد اضطر المواطنون إلي تخزين المياه بطريقة خاطئة واواني مكشوفة غالبًا مما أدي إلي تفشي أمراض قاتله مثل الكوليرا والإسهال الحاد وحمي الضنك وغيرها، 52 مليون مصري يموتون سنويا بأمراض لها علاقه بتلوث مياه الشرب مثل الفشل الكلوي والسرطان و الكبد وغيرها، فقد اشادت دراسات المعهد القومي أن التلوث قد يحدث نتيجة مسببات متعددة  أرجح الخبراء أن مواسير توصيل المياه قد تكون أحد عوامل التلوث نتيجة الضغط العالي للماء بداخلها والذي بدوره يزيد من تفاعل الكلور والرصاص المكون للمواسير مع الماء، وقد تجرف المواسير معها كائنات طفيلية ملتصقه بجدران مواسير الشرب، كما أن تسرب مياه الصرف الصحي والتسرب النفطي إلي جانب ملوثات الأسمدة والرش الكيميائي بالمبيدات تؤدي إلي تلوث خطير في مصادر المياه، فقد احتلت مصر المرتبة الاولي عالميا في نسبه المصابين بفيروس الكبد الذي يحمله خمسه ملايين مصري نتيجة شرب مياه ملوثه، الامر الذي دفع القيادة السياسية في مصر إلي تبني حملات مخصصة للكشف والتحليل والعلاج المجاني لكل المواطنين تحت شعار  "100 مليون صحة".

  

تغير المناخ:

زيادة درجتين مئويتين في حرارة مناخ الأرض عن حقبه ما قبل الصناعة تؤدي الي نتائج كارثية غير متوقعه لاسيما في قضايا الأمن المائي في البلدان النامية، رغم أن كوارث المناخ من اعاصير وعواصف وفيضانات وغيرها ليست حصر على البلدان النامية إلا أنها تلحق بها أكبر الضرر بسبب الكثافة السكانية وضعف الاقتصاد في مواجهة تبعات هذه الكوارث.  

 

وفق تقرير عام 2008 للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (IPCC) فإن المناخ في اليمن سيصبح أكثر جفافا وحرارة، وستزداد وتيرة مواسم الجفاف ويتوقع الخبراء أن اضطراب هطول الأمطار ونسبتها سيؤثر بشكل سلبي على مواسم الزراعة التي يعتمد عليها أكثر سكان اليمن.

 

ودول حوض النيل ربما ليست أحسن حالا تجاه تغيرات المناخ فمصر التي يمثل النيل لها شريان حياه فإن قلة معدلات الأمطار والجفاف نتيجة تغير المناخ يهدد حصتها من مياه النيل وهناك تنبؤات عديدة بتناقص حصه مصر والتي قد تصل الي 10% بحلول عام 2060.

تتزايد وتيرة القلق العالمي نحو الأمن المائي و يتنبأ الخبراء أن الحرب القادمة والصراع العالمي سيكون بسبب المياه وليس النفط، فالإنفجار السكاني وسوء الإدارة المائية و ندرة المياه في بعض المناطق من العالم إلي جانب تلوث جزء كبير منها والتغيرات المناخية والحروب والنزاعات  جميعها اسباب تلقي بظلالها وتضاعف معاناه العالم بشكل عام والدول النامية بشكل أخص.

 

 فبينما تشكو مصر من تناقص تتعرض اليمن إلى إجهاد وأزمة مائية خانقه والبحث عن حلول يجب أن يتشارك فيه الفرد بترشيد الاستخدام والدولة في البحث عن مصادر متجددة وتطوير تكنولوجيا نظيفة والمنظمات الدولية المعنية بفرض قوانين دولية إجبارية على الدول المتسببة بانبعاث الغازات الدفيئة وضريبة على مصادر الكربون لدعم ومساندة الدول النامية المتضررة للتكيف مع تبعات التغير المناخي الذي يهدد كوكبنا الأرض.

 

 

 

متعلقات