بعد 15 عام من الحوار و9 سنوات من رحيلها و في حوار صحفي ينشر لأول مرة مع عميدة الاعلام والصحافة اليمنية
الدكتورة الراحلة رؤوفة حسن: أسعى للتعاون مع أي إنسان في الأرض في سبيل الخير والحق والعدل والحرية والمساواة
المستقبل اونلاين - حوارات

 

قصــة الحـوار:
قبل «15» عاماً، تقريباً وتحديداً أواخر العام «2005م» .. أجريت هذا الحوار الصحفي مع أستاذة وعميدة الإعلام اليمني العملاقة الراحلة الدكتورة رؤوفة حسن الشرقي في مكتبها بالعاصمة صنعاء .. كنت حينها لا ازال في بدايات مشواري الصحفي .. الحوار كان لصحيفة «الرائدة» التي كانت الزميلات في «منتدى الإعلاميات اليمنيات» برئاسة الزميلة رحمة حجيرة - أعلنّ عن تأسيسها وبدأن الإعداد لإصدارها.

وللأسف بعد أن اجريت الحوار مع الدكتورة تعرقل صدور العدد الأول من الصحيفة حينها، إذ أنه لم يصدر الا بعد عدة شهور، وللأسف كان هو العدد اليتيم والوحيد الذي صدر من الصحيفة، كما أن عملية طباعته وتوزيعه لم تتم حينها بالشكل المطلوب، ما يعني أن غالبية القراء لم يعلموا عنه ولم يصلهم، ولم يطلعوا على مضامينه.

وقبل حوالي الشهر وبينما أنا أفتش في أحد ملفاتي القديمة في اللابتوب وجدت نسخة مطبوعة من الحوار في ملف ورد، وعندما قرأته شدني كثيرا مضمونه، وبصراحة بدا لي مهماً جداً، سيما أنه تطرق للعديد من قضايا الاعلام اليمني، الى جانب تسليطه الضوء على جوانب هامة من مشوار وسيرة حياة الدكتورة رؤوفة .. ولأنه أيضاً مثل لي الفرصة الوحيدة التي التقيت فيها الدكتورة رؤوفة وحاورتها منفردا وجها لوجه - إرتأيت أن أعيد نشره لكم هنا في صفحتي كما هو ودون اية إضافات أو تدخل، لكنتي أجلت عملية النشر الى يومنا هذا الإثنين «27 أبريل» والذي يصادف ذكرى رحيلها التاسعة .. أتمنى أن ينال إعجابكم.


 أجرى الحوار ـ منصور الصمدي

عنـاوين الحـوار:

الدكتورة رؤوفة حسن الشرقي لـ«الرائدة»: علينا كشف الواقع الحقيقي للإعلامية اليمنية والدفع بها لتتولي القيادة

-أسعى للتعاون مع أي إنسان في الأرض في سبيل الخير والحق والعدل والحرية والمساواة

- كلية واقسام الاعلام تواجه اشكاليات جمة في المناهج وطرق التدريس واعداد الاعلاميين الحقيقيين يتطلب تخصيص «50%» مما يتم تدريسه للتدريب العملي

- الإعلاميون اليمنيون لا يمارسون العمل الإعلامي الحقيقي بمهنية وحرفية محررين من التشويشات والتحريفات التي ينتجها التاريخ المركب من القيود والخوف

- ما ارتديه هو اللبس العولمي الممزوج من شتى حضارات العالم والذي تم اعادة تعليبه ليصبح يمنيا محليا وتلك طريقتي في القول للناس أن لديهم شخصيتهم

- «صنعاء القديمة» خلقت بداخلي هاجس الحب للفن والموسيقى وفيها تعلمت القراءة والكتابة واللغة الفرنسية

- «إب» كانت بالنسبة لي عالما منفتحا على العلاقات الاجتماعية وفيها دخلت المدرسة وشاهدت السينما وتخلق بداخلي شغف القراءة

- «القاهرة» شهدت فيها العديد من الأحداث والتحولات الثورية والإنفتاح السياسي والفكري، وتعلمت فيها كيف أعيش حياتي بشكل مستقل

- «واشنطن» شكلت نقلة كاملة في بناء ذاتي وفيها تعلمت الانجليزية واشتغلت، وتشكلت لدي العقلية المنهجية القادرة على التحرر

- «باريس» تجربتي فيها كانت قيمة جدا فهي تعد منطقة الوسط بين الحضارة الأمريكية والأوربية والعربية ودراستي فيها أعادتني الى اليمن الحقيقة

- «الجوف» احد أهم المحطات التي أثرت في حياتي وفيها اكتشفت كيف نشأت الجزيرة العربية، ورأيت العرب الأوائل الفخورين بأنفسهم وبقيمهم الأصيلة

- أهوى الكتابة فهي وسيلتي للتعبير عن ألمي وحزني وفرحي ومقاومتي ونضالي وهجومي .. وأحب السفر والبرية وتسلق التلال والسير على الأقدام

مقـدمة الحـوار:

يشع من عينها بريق لوعة خفية، صوتها هادئ وساحر، وفي قسمات وجهها إطمئنان العبقرية، كل من يقابلها يدرك شفافية روحها وطيبه قلبها وبساطه تعاملها .. بَنَت نفسها بنفسها فأجادت ألبناء، وكانت حصناً شامخاً من الخلق المنيع والثقافة والإبداع والتميز .. نجاحها لم يهبط من الأفق، ولم تعثر عليه في نوبة من نوبات الحظ، بل انه تخلّق من تجاربها ومعاناتها المباشرة وتعاملها مع كل من حولها، فكانت أعمالها ومشاريعها معبرة عن الناس والواقع والحياة عامة.

إنها الدكتورة رؤوفه حسن الشرقي .. التي ما ان تتحدث لا يجد من هم في حضرتها ومن حولها سوى الإصغاء .. التقيتها في مكتبها بصنعاء ودار بيننا حوار عن تجربتها في المجال الإعلامي، والظروف والأوضاع التي تعيشها الإعلامية اليمنية، وكذا الصعوبات والمعوقات التي تواجهها، والحلول والمعالجات الممكنة للإرتقاء بأدائها وواقعها بشكل عام، الى جانب إستعراض أبرز محطات حياتها، وبعض ذكريات طفولتها، وهواياتها، ومشاريعها المستقبلية، وجملة من القضايا والموضوعات ذات الصلة بواقع الإعلام اليمني بشكل عام .. فإلى حصيلة الحوار:

حاورها: منصور الصمدي

** بداية نسألك دكتورة رؤوفة كيف تقيمين الأوضاع التي تعيشها الإعلامية اليمنية في الوقت الحالي، ومناخات الحرية المتاحة لها، والدور الذي تقوم به؟

لو تحدثت عن الإعلامية فمعنى ذلك أنني أميزها عن أخيها الإعلامي، وانأ أظن ان هناك بعض الخصوصيات تتعلق بالإعلاميات اليمنيات، وفي نفس الوقت هناك عموميات تخص الإعلاميين بشكل عام ذكوراً وإناثاً .. الإعلام اليمني ككل مع الأسف ليس بالصورة التي كنت أحلم بها، الإعلاميون في بلادنا ذكورا وإناثا لا يمارسون العمل الإعلامي الحقيقي بمهنية وحرفية محررين من التشويشات والتحريفات التي ينتجها التاريخ المركب من القيود والخوف - هذه الحالة تجعل الاعلامي اليمني عباره عن صدى ضعيف جدا لإحدى حالتين اما مبالغة شديدة في السوداوية والحديث عن كل ما هو سيء وتحويل المجتمع الى حالة مرضية مرعبة وهذا ما يجسده إعلام المعارضة السياسية .. واما أن يتحول الى حالة زنبقية جمالية مزخرفة بيضاء مشرقة خادعة غير صحيحة تنقل صورة مغايرة للأوضاع السائدة وكأن الناس لا يعيشون حياة مختلفة عما يقال وهذا ما تفعله وسائل الاعلام الموالية للحزب الحاكم .. وما بين هذه وتلك تضيع الحقيقة، وبالتالي تجد الناس يبحثون عن المعلومات الحقيقية والصحيحة في وسائل الاعلام الخارجية، وهذه حاله ليست مرضية بالنسبة لي عن حال الاعلاميين في اليمن.

وعندما نتحدث عن الإعلاميات اليمنيات يصبح الحال مع الأسف أكثر إشكاليه لأنه اذا كان على الذكور من الإعلاميين قيد واحد ويواجهون صعوبتين وهذا النوع من المضاعفة، فإن واقع الحال يجعل الإعلامية تتحمل عددا كبيرا من المسؤوليات والضغوط المجتمعية، على ما تكتب، وعلى ما تقول، وعلى ما تنقل، فلا تستطيع أن تكون مهنية وحرفية كما يجب أن يكون عليه الإعلامي الصحيح .. هناك عوائق كثيره تواجهها من داخل البيت، ومن المحيط الإجتماعي في نوعية الأعمال الصحفية التي تقوم بها، وبالتالي فإن هذه العوائق تجعلها تتعرض للنقد، ولا تتعرض للقضايا الهامة في حياة الناس، وبذلك فإنها لا تحقق سبقاً صحفياً عن غيرها وإنما تؤدي المهنة كما يؤديها الموظف العادي، وذلك بسبب مجموعة الضغوط التي تواجهها كمسؤوليات البيت والعائلة وغيرها، وبالتالي فإن ذلك يسبب لها إرهاقا فلا تستطيع أن تطور نفسها مهنياً، ولا يكون لديها وقت كاف للقراءة والبحث مثلا على الإنترنت في سبيل تطوير مهاراتها.

وهناك الضغوط ومشاكل تواجهها داخل المؤسسات الإعلامية التي تعمل فيها، فاذا كانت تعمل في القطاع الخاص فإن القطاع الخاص لا يحمي الناس الذين يعملون فيه بل يستغل جهودهم وأوقاتهم كثيرا، وللأسف لا توجد هناك قوانين تحمي الموظفين بحيث يحصلون على حقوقهم، وإنما تعتمد المسألة على رضى صاحب العمل ومزاجه في معاملة موظفيه .. اما الوظائف الحكومية فإن الوظيفة الحكومية والقطاع العام يعاني من إشكالات كثيرة مثل المحسوبية والرشوة وغيرها، وبناء على ذلك فإن النساء يتم اقصاؤهن من المناصب والمواقع الإدارية، ومن امكانيه الترقي، لأنهن يقفن حجر عثرة في الغالب أمام الأشخاص الذين اعتادوا السير بالعمل الإعلامي بطرق ملتوية، فالإعلاميات هن الآن اقل تورطا في عمليات الفساد المالي والإداري لذلك لا يستطعن أن يلعبن الألعاب التي تتم داخل الوظائف الحكومية، ولهذا يصعب ترقيتهن وحصولهن على المناصب .. ونتيجة لذلك تجد ان الوظائف الرسمية المخصصة للنساء في المجال الاعلامي هي الأقل مقارنة ببقية المجالات.

على سبيل المثال حتى درجة المدير العام لا تجدها الا في التخصصات المرتبطة بالمرأة كمدير عام شؤون المرأة والطفل، وحتى عندما تكون رئيسة قسم تجد أن هذا القسم هو قسم الملحق الأسبوعي الخاص بالمرأة أو الأسرة، اما انها تصبح وكيلة ادأو رئيسة مؤسسة إعلامية فلا تجد أي نساء هناك .. ربما الإستثناءان الوحيدان كانا انا والاخت الزميلة أمة العليم السوسوة في فتره الثمانينات .. وحتى في مجال الإعلام الخاص نجد نفس العملية مالم تكن الصحيفة ملكاً للمرأة نفسها، مثل الزميلة سيده الهيلمة وصحفيتين اخريين .. فهذا واقع مزر وانا غير راضية عنه، لكنه مع الأسف هو الواقع الذي يجب على الإعلاميات أن يتعايشن معه اليوم.

**برايك ماهي الإستراتيجية المطلوبة للنهوض والإرتقاء بهذا الواقع، وتصحيح إختلالاته؟

البداية للأشياء كشفها .. التغطية على الواقع بالإدعاء أنه صحيح تعتبر واحدة من اساليب الخداع .. فالمطلوب هو أن يكتب الناس عما يحدث، وعن واقعهم الحقيقي وليس الوهمي .. واعتقد أنهم متى ما فعلوا ذلك فانها ستكون بداية طيبة، وأنا أتصور ان الجهد الذي تقوم به الإعلاميات في منتدى الاعلاميات بداية طيبة .. لأن عملية الكشف عن البيانات والمعلومات عن عدد النساء العاملات في مجال الإعلام، وماهي المواقع والوظائف التي يشغلنها؟ ولماذا هي محدودة؟ تعتبر بداية.

كما أعتقد أن إحدى الخطوات الإستراتيجية هي رصد المعلومات وكشفها بشفافية وبشكل دائم .. وهناك خطوات تالية، وهي تشكل ضغوط على الجهات الرسمية في أن تكون هناك مواقع قيادية للنساء، وأيضا كشف ما يحدث في القطاع الخاص، لأن هذا القطاع لا يجب أن يظل محصناً، بل يجب أن يقيد بقانون وهناك حقوق للناس يجب أن تكون مكفولة، سواء عملوا في قطاع خاص أو حكومي .. ومن واجب الإعلاميات أن يكن جزءا من اوادلئك الذين يسعون للضغط على القطاع الخاص كي يعطي الموظفين حقوقهم خصوصاً في الصحافة الأهلية أو الخاصة.

** من وحي تجربتك الخاصة كإعلامية ناجحة لها ظلها الممدود في مجال الإعلام اليمني - كيف يمكن إعداد الإعلامية إعداداً جيداً لتكون أكثر قدرة على مواجهة عراقيل وتحديات واقعها المعاش، ومواكبة تطورات الاعلام العالمي؟!

- عملية الإعداد فيها مشاكل كثيرة هناك إعداد إعلامي تدريبي وتعليمي وأكاديمي يتم داخل الجامعات .. أغلبية الإعلاميات العاملات في الساحة الإعلامية حاليا هن خريجات كلية الإعلام جامعة صنعاء، وقسم الإعلام جامعة عدن .. لكن القسم والكلية تواجه إشكاليات كثيرة في المناهج، وفي طبيعة سير العملية التعليمية نفسها .. فعملية التدريب ضئيلة جداً، حيث أن الطلاب لا يتدربون على طرق الصياغة الخبرية الحديثة القائمة على المهنية والحرفية والموضوعية في العمل الصحفي، ولا يتدربون على طرق التعامل مع الإنترنت، وعلى التعددية السياسية والفكرية .. هذه كلها أساسيات لا يتم التدريب عليها حتى الآن داخل الكليات والأقسام الإعلامية .. فمن وجهة نظري أن عملية الإعداد للإعلاميين ذكوراً واناثاً بشكل صحيح لا بد أن تشمل تخصيص «50%» على الأقل مما يتم تدريسه للتدريب العملي.

والتدريب يجب أن يبدأ من السنة الاولى، وهذا ما ليس حاصلاً، لذلك نجد الطالب والطالبة يتخرج من الكلية وهو بحاجة الى فترهطة تدريبية طويلة لكي يصبح معدا للعمل على أرض الواقع .. أما ما يتعلق بالإناث بشكل خاص نجد أن الإشكاليات أكبر فبينما يتدرب الإعلاميون الذكور داخل الصحف والاذاعات والتلفزيون لفترة معينة كمتطوعين وفي أوقات معينة مثل أوقات الليل وأوقات الإجازات والعطل، لا تستطيع الإعلاميات فعل ذلك لأن هذه الأوقات تعتبر صعبة بالنسبة لهن، لذلك فإن هناك محدودية في فترات التدريب التي يحصلن عليها، هذا الى جانب أنهن لا يستطعن الحضور والتدريب فيما عرف لدينا بالمطبخ الصحفي، لأن المطبخ الصحفي مخصص للإعلاميين الذكور فقط كونه يتم في مجالس القات، وهذه المجالس لا يمكن للنساء الحضور فيها ومعنى ذلك أن الإعلاميات تفوتهن فترات مهمة في التدريب العملي .. الجانب الآخر في عملية الإعداد هو أن الكثير من الإعلاميين الذكور إستطاعوا أن يكونوا مراسلين لوسائل إعلام خارجيه مختلفة، في حين لم تتمكن الإعلاميات من ذلك، الاّ عدد قليل جداً منهن وذلك بسبب محدودية الإتصال والقدرات والخبرات والتجارب.

** كيف تنظرين للإعلاميات الجدد ممن يعملن في نفس تخصصك؟ وما تقييمك لتجربتهن؟! وما النصيحة التي تودين قولها لهن؟

- بإعتباري مررت بنفس الصعوبات والعراقيل التي يواجهنها، ويمكن أكثر مما تواجهه فتيات اليوم لأن الفترات التي بدأت فيها كانت فيها مشقة وصعوبات اكبر، كون الطريق الذي سلكته لم يسبق لغيري أن سار فيه كي يدلني عليه .. عملت مذيعة دون أن اعرف كيفية عمل المذيعات، وظهرت في شاشة التلفزيون دون أن اعلم كيفية الظهور، فهناك أشياء كثيرة حصلت فيما يتعلق بتجاربي في الحياة جعلتني أمارس عملي وأستفيد من ادأخطائي في العمل نفسه، ربما ان الجزئية الوحيدة التي تميزت بها هي أن الزمن الذي عشته في بداياتي، يختلف عن زمن اليوم وذلك أن الوضع حينها كان اكثر انفتاحا، ربما فقد كان هناك عدداً كبيرا جداً من الناس الذكور المتحمسين جدا لمساعدة النساء، وبالتالي حظيت بمساعدة وتعاون كبير من زملائي الذين كانوا يعلموني ويشجعوني ويتغاضون عن اخطائي .. لذلك انا اعتقد ان الظروف الذي مررت بها كانت ملائمة وميسرة أفضل من الظروف التي تمر بها الإعلامية اليوم.

** ربما انت كنت تتحلين بصفات ومهارات وقدرات جيدة جعلت الجميع يساندونك وهذا مالا يتوفر في فتيات اليوم .. ترى ما الصفات والمميزات التي يجب على إعلاميات اليوم ان يتحلين بها .. من وجهه نظرك؟

- الحقيقة هذا الكلام غير صحيح .. انا اتذكر وأنا لازلت في الصف الرابع الإبتدائي، عندما كنت أقوم في الفصل للرد على أسئلة المدرسين كان صوتي يرتعش، وكنت أعاني من الخوف وأشعر أحيانا أن ركبي ستسقط، ولكني تعلمت مع مرور الأيام الشجاعة .. وأذكر بابا عبدالرحمن مطهر، وأنا في الصف السادس ساندني وأدخلني برنامج الأطفال وجعلني أتعامل مع المكرفون وكأنه مثل أي لعبة العبها .. فالشجاعة والجرأة لا تأتي من نفسها ولكنها تحتاج الى من يععززها ويقويها، وأنا كنت بين إخوتي إنموذجاً للخوف حتى سن الرابعة عشرة، بعدها إنقلبت المسألة، وتحولت عندي الى قوة .. نقاط الضعف كنت أقاومها وأحرص على عدم الإعتراف بها .. لذا لا اظن ان المسألة مجموعة من النصائح أستطيع أقولها للإعلاميات، إنما العملية تجربة تصنعها الظروف المحيطه بنا .. فاذا لم نكن محاطين بأشخاص جيدين واذا لم تكن لدينا الرغبة والموهبة القوية فلا يكفي أن يشجعنا أو يحبطنا الآخرين فأنا نفسي في الوقت الذي وجدت فيه أناساً يشجعوني، وجدت آخرين يحبطوني .. ولكني كنت أتناسى من يحبطوني، وأتذكر فقط الذين يشجعوني.

** برأيك ما الدور الذي يمكن أن تلعبه أو تقوم به منظمات المجتمع المدني النسوية المتخصصة بالمجال الاعلامي - في تطوير التجربه الإعلامية النسوية والإرتقاء بها؟

- هي بداية طيبة كون الإعلاميات إكتشفن أخيراً أن اللحاق بزملائهن في نقابه الصحفيين اليمنيين، هو مجرد الحاق بنقابة لأناس لم يستطيعوا أن يحلوا مشاكلهم، فإذا ما أردن الإعلاميات أن يكون لهن موقف من الواقع والمتغيرات والتحولات، فعليهن أن يصنعن أو يوجدن لهن موقعاً في هذا الواقع .. فالمسألة ليست مسألة أغلبية ولا أقلية، طالما ان النقابات الى الآن لا تمنح للنساء سوى مقعد واحد أو مقعدين في عضوية الهيئات الإدارية .. وفي نفس الوقت لا تقدم النقابات أي شيء يذكر للنساء الإعلاميات .. وأنا لا زلت اتذكر في عام (1985م) عندما كنت أنتخبت لعضوية الهيئة الادارية وفزت بفارق بسيط بيني وبين النقيب في عضوية الهيئة الإدارية لجمعية الصحفيين اليمنيين لكن الزملاء عندما جاءوا لتوزيع الاعمال فيما بينهم رفضوا رفضا قاطعا ان اكون الامين العام للجمعية رغم الأصوات التي حصلت عليها، ولم يقبلوا الا ان اكون المسئول الاجتماعي .. أي انهم احتكموا فيما بينهم وكانوا اغلبيه وانا كنت لوحدي مما جعلني أقبل بالأمر الواقع .. وبصراحة تلك التجربة علمتني ان المعيار ليس الأصوات التي قد تحصل عليها انما المعيار هو القيمة الاجتماعية وطبعا نحن النساء قيمتنا الاجتماعية ناقصة في الآراء المختلفة فالإعلاميات اذا ما اردن ان يحصلن على حقوقهن عليهن ان يبذلن المزيد من الجهود.

** «صنعاء القديمة - إب - القاهره - واشنطن - باريس» كل هذه كانت محطات في حياة الدكتورة رؤوفة حسن ولا شك انها لعبت دورا بارزا في تكوين شخصيتها .. نود لو ان تحدثينا عنها ولو بايجاز؟

- «صنعاء القديمة» مدينة تعلمت فيها مع جدي كيف احب الفن والموسيقى، وكيف احب اللغه الفرنسية لأن جدي كان يجيد اللغه الفرنسيه .. تعلمت فيها القراءة والكتابة وحفظت القرآن، وجدي صنعاني كان يحب الغناء الصنعاني وكان صديقا للفنان محمد قاسم الاخفش، ومحمدالخميسي وطبعا جدي كان قاضيا وعميدا في الجيش، كان يصطحبني معه الى منطقه العرضي في باب اليمن للإستماع للمعزوفات التركية فكانت الموسيقى والغناء جزءأ من مكونات منزلنا، وفي نفس الوقت كان جدي يملك مكتبة خاصة وهذه المكتبه كانت مؤثرة جدا بالنسبه لي .. مع جدي كنت اذهب اينما اتجه، الى الجامع الكبير للصلاة، الى العمل، والحمامات البخارية المشهورة في صنعاء، وكنت اجلس معه في فترة المقيل التي يأتي فيها اصدقاؤه ليعزفوا على العود ونستمع الى الموسيقى والراديو حتى بلغت سن السابعة .. فصنعاء سواء كانت بيوتا او حواري وشوارع تحكي حكاية مرتبطه بجدي وبطفولتي .. صنعاء خلقت بداخلي الهاجس المحب لسماع الموسيقى والغناء وسماع الاذاعة والمذيعين فقد كنت استمع الى نشرة الاخبار والتعليقات السياسية والمارشات العسكرية وغيرها الكثير تعلمته في صنعاء القديمة.

«اب» بالنسبة لي كانت عالم آخر، فقد كان والدي وامي واخوتي في إب لأنني ولدت في صنعاء القديمة وبعد ستة اشهر من مولدي، ذهب والدي وامي واخوتي الى اب واخذوني معهم، وعندما وعيت جاء جدي واخذني معه الى صنعاء، وبالتالي صنعاء استقرت في ذاكرتي بشكل كبير، وكذلك اب ولكن بشكل آخر .. إب الخضراء كانت بالنسبة لي عالم منفتحا عالم العلاقات الاجتماعية فيه اكثر اتساع من العلاقات التي كانت سائده في صنعاء .. اب كانت المدرسة مدرسة الثوره وفيها درست اول صف وكان ثاني ابتدائي لأني لم ادخل صف اول كوني كنت اجيد القراءة والكتابة بفضل ما تعلمته من جدي .. في اب ايضا شاهدت السينماء لأول مرة وفيها كان يوجد المركز الثقاقي المصري، وفيه تعلمت كيف اقرأ قصص كامل الكيداني لأن المسؤول عن مكتبهدة المركز حينها، وهو من المصريين ويسمى العمده كان يعطيني صينية وحلوى اذا قرات قصة من القصص وحكيت له ملخصها، وكنت افضل هذا في سبيل الحصول على الحلوى، الى ان صرت احب القراءة ولم اعد احب الحلوى .. اذن اب كانت مهمة جدا بالنسبة لي وهي محطة جوهرية في حياتي اكملت فيها المرحله الابتدائيه ثم عدت الى صنعاء واكملت الثانويه العامة.

«القاهرة» كانت محطة ثانية، عالم جديد بالنسبة لي، تعلمت فيه كيف أقود السيارة، وتعلمت كيف أدخل كلية وفيها زحام شديد، وفيها امكانيات للعلم دون ان تكون الجامعة هي مصدر العلم الحقيقي .. شهدت في القاهرة بداية الثورة المضاده لنظام السادات، وكذا عملية، اغتياله وايضا عملية تواجد الجماعات الاسلامية، والجماعات المعارضة لها داخل الجامعهطة، ووجود الحديث والصراع السياسي داخل اروقة الجامعة، وكل ذلك بالنسبة كان نشاطا آخر وفكرا اخر وطريقة مغايرة للحياة .. فوقتها شهدت مصر بداية الانفتاح السياسي والفكري، وبالتالي كان ذلك ضمن الأشياء التي كانت مؤثرة في طريقة تفكيري ورؤيتي للعالم .. في القاهرة تعلمت ايضا كيف اعيش حياتي بشكل مستقل، وتعرفت ايضا على مجموعة من الاساتذة المهمين، مثل الدكتور فاروق شوشة، والدكتورة عواطف عبدالرحمن، والدكتورة منى الحديدي، وغيرهم وجميعهم كانوا من اهم الشخصيات التي تأثرت بها في حياتي.

اما في «واشنطن» فكانت تجربة مغايرة تماما لكل تجاربي السابقة، وفيها تعلمت اللغة الإنجليزية، واشتغلت لأن المبلغ الذي كان معتمد للمنحة الخاصة بي انقطع فاضطررت للبحث عن عمل، حيث اشتغلت مدرسة لغة عربية، وظللت ابحث عن عمل حتى حصلت على فرصة عمل في سفاره الامارات العربية المتحدة مساعدة للمستشار الاعلامي الدكتور ادمون غريب، وبالتالي كنت ادرس واشتغل .. وفيها تعلمت الكثير لذلك تستطيع ان تقول ان واشنطن أعادت بناء طرق التعليم التي تعلمتها في حياتي فقد تشكلت لدي العقلية المنهجية القادرة على التحرر، وبالتالي شكلت واشنطن نقلة كاملة في بناء ذاتي وفيها انهيت رساله المجستير.

«باريس» انا اخترت باريس لكي أحضر الدكتوراه فيها بإعتبارها منطقة الوسط بين الحضارة الأمريكية والأوربية والعربية، فقد كانت اقرب الى حضارتنا وأكثر فهما لها وتجربتي فيها كانت قيمة جدا لأنها اعادتني الى اليمن الحقيقة ط، لأنني عملت البحث الميداني لرسالة الدكتورة في محافظه الجوف، وبالتالي كنت اسافر ثم اعود الى الجوف، وقد اكتشفت في هذه المحافظة الكثير من الأشياء التي بينت لي كيف كانت نشأت الجزيرة العربية ورأيت في الجوف العرب الأوائل الفخورين بأنفسهم وبقيمهم العربية الأصيلة، وبالتالي فان الجوف كانت أيضا محطة اخرى من محطات حياتي والتي تاثرت بها كثيرا.

** هل أنتِ راضية عما قدمتيه الى اليوم؟ وما الذي تنتظرين تقديمه؟

- لا طبعاً لست راضية لأن وضعي لا يزال بحاجة الى كثير من التغييرات، وأنا لا أستطيع أن أعمل بمفردي، لأن اليد الواحدة لا تصفق .. أنا أحتاج الى ملايين اليمنيات المماثلات لي، وملايين الرجال الذين يؤمنون بأن المسألة لا تخصني ولا تخص النساء وحدهن وإنما تخص المجتمع اليمني ككل، ونحن كيمنيين اذا ما اردنا الخروج من حالة التخلف والفقر لابد أن نعمل معاً رجالا ونساء .. والنساء في الأصل هن اللاتي ينجبن الرجال، وهن اللاتي يربينهم، وبالتالي عندما يكن متخلفات خائفات ضعاف فهن لا ينقلن سوى الخوف والجهل والجبن لأبنائهن .. الأمر الذي يعني أن القضية مشتركه بين الكل .. لذلك لا يوجد أمامنا من حل سوى أن نوحد جهودنا ونواصل العمل والإبداع والمبادرة والإنجاز سوياً، في سبيل إنتشال بلدنا من هذا الواقع المتخلف والمثقل بالكثير من السلبيات.

** ذكرتِ في حديث صحفي سابق أن طموحاتك ليست في حدود الذات، وليست في حدود الوطن، ولكنها في حدود الإنسانية .. هل بالإمكان أن توضحي لنا هذه الجزئية؟

- المقصود اني لا اتكلم عن ذاتي كرؤوفة حسن، لان الدكتورة رؤوفة حسن لديها امكانية أن تحصل على المال مقابل العلم، وبإمكانها أن تبيع العلم لو شاءت لكنني لم أختار هذا الطريق .. وبالتالي الذات من ناحية مادية ليست مشكلة بالنسبة لي، وفي نفس الوقت انا لدي اسرة واحمد الله استطيع من خلالها ان اغطي كل ما احتاجه كذات .. وايضا لا توجد لدي مشاكل تتعلق بحقوقي لأنني استطيع ان احصل عليها قانونيا او دستوريا او عرفا .. يمكنني ان احصل على ما اريده لو اردت التفرغ سأتفرغ، ولو اردت ان اعبر عن نفسي بحرية حتى في صحيفة عسكرية سأفعل ذلك .. إذن ليست قصة ذاتية وليست قصة تتعلق باليمنيون وحدهم لأن اليمنيون هم جزء لا يتجزأ من عرب، وهولاء العرب جزء لا يتجزأ من البشرية جمعاء، لذلك القصة أكبر مني بكثير، أكبر من ذاتي وتتعلق بالكائن البشري المسى إنسان مؤنث كان أو مذكر .. هذه هي قضيتي انا أحاول أن أتعاون مع أي انسان في أي مكان من الأرض في سبيل الخير والحق والعدل والحرية والمساواة.

** ماذا تقولين لنا تجربتك الصحفية؟

- تجربتي ليس فيها ماهو متميز وليس فيها ماهو اقل .. عملت رئيس قسم التحقيقات الصحفية في صحيفة الثورة، وكنت اكتب فيها بشكل متواصل، وطوال الوقت الذي كنت اعمل فيه في أي مكان لم أتوقف عن الكتابة الصحيفة.

** ما سر تمسكك بفكرة الكتابة في الصحافة مع أن إهتماماتك وارتباطاتك أصبحت كبيرة وواسعة ومتعددة؟

- لا تنس أن عملي في مجال الإعلام لم يكن من باب الصدفة، أو من باب الوظيفة، إنما انا أحب هذا العمل وهو هوايتي .. لذلك أنا امارس هوايتي بالكتابة واعتبرها وسيلتي للتعبير عن نفسي .. اتألم فيها، أحزن فيها، افرح فيها، أقاوم فيها، أناضل فيها، أهاجم فيها - فهي مساحة امتلكها ولا أستطيع التخلي عنها.

** أين أنتِ من نظرة المجتمع للمرأة الإعلامية؟

- أعتقد أنه لا يوجد أحد يختلف في نظرته لي كإعلامية مهنيه تؤدي عملها على النحو الذي قد يوافق عليه أحيانا اخرى لكنه يدرك اني أنني اؤدي عملي ..اتصور ان الذي يقرأون الصحافة لا يستطيعون القول بأن إسمي ليس من الأسماء التي تفرض نفسها في عالم الصحافة .. بل انهم يدركون جيدا انه توجد لي بصمة فيه، وهذا في تصوري مكسب كبير يؤكد وجودي .. فإثبات الوجود قائم.

** ماهي إهتمامات وهوايات الدكتورة رؤوفة حسن الشخصية الى جانب اهتماماتها العملية؟!

- أحب السفر، أحب البرية، أحب تسلق التلال متوسطة الإرتفاعات، أحب ايضا السير على الأقدام .. وبصراحة هذا ما يمنعني الان في صنعاء الان .. لأن صنعاء في الوقت الحالي ونظرا لتلوث اجوائها وشدة إزدحامها وضيق شوارعها لا تتيح للواحد منا ممارسة هواية السير لمسافة طويلة على اقدامه .. لكن يبقى السير هوايتي.


** معلوم أنك من أنصار الحرية ومن دعاة التحرر والإنفتاح على العالم، وأنك من أوائل الداعيات الى تحرير المرأة اليمنية .. لكننا نجدك في نفس الوقت لا تزالين متمسكة بإرتداء الزي التقليدي الصنعاني القديم .. ترى ما سر تمسكك بهذا الزي؟!

- أنا لا أدعو الى تحرير المرأة من لبسها، إنما أدعو الى تحرير المرأة من التخلف والجهل والامية اولا .. ثانيا من قال لك أني ما ارتديه هو زي صنعاني؟! .. هذا هو ما اردت ان اخلقه فيك كإنطباع وقد خلق فيك هذا الإنطباع وانا سعيدة جدا اني حققته .. لو انك لاحظت فيما أرتدي ستجد أن كل ما البسه هي قطع مختلفه في أصلها .. أي لها أصول من مختلف الحضارات هذا الانطباع هو ما اريد ان اكونه وما كونته لدي الآخرين فأنا سعيدة انه تكون فيك .. ما البسه ليس فيه الا تفصيله صغيره جدا مما هو صنعاني واغلب ما فيه هو أصلا سائد في حضارات العالم كلها .. هي الثقافة التي جعلت للثقافة العالمية طابعاً محلي .. هذا الذي ارتديه هو اللبس العولمي الذي تم اعادة تعليبه بحيث يصبح يمنيا محلياً، وهذه طريقتي انا في القول للناس ان لديهم شخصيتهم، وانهم قادرين أن يظيفوها على لبسهم، وعلى حضارتهم وعلى ثقافتهم، وأن لديهم ما يقولونه حتى لو جاءت الملابس من فرنسا، فإنهم يستطيعون أن يصنعنوها إن شاءوا.

 

 

* الحوار حصريا لموقع المستقبل اونلاين بموافقة الزميل الصحفي منصور الصمدي ولذلك لزم  التنويه للموقع في حالة نقل الحوار لأي موقع آخر 

متعلقات