قراءة في قراءات علوان الجيلاني النقدية(1)/ بقلم أحمد المدومي
المستقبل اونلاين

  مقدمة:
من السهل أن تقف على شاطيء بحر زاخر بكل ماينفع الناس في حياتهم لكن من الصعب أن تنفذ إلى أعماقه بكل سهولة ويسر حتى وإن كنت سباحا ماهرا وغواصا خبيرا.

كذالك من السهل أن تلج إلى أعماق شاعر بسيط أو كاتب مبتدئ وأن تحيط بكل عوالمه لكن أن تحاول التسلل إلى كاتب بحجم أمة وشاعر بثقل أجيال وصاحب خبرة عظيمة لا أعتقد إلا أنها أشبه بمحاولة للإنتحار الفكري والجنون الذهني إذ أنه من المستحيل أن تقفز بكل ما أوتيت من قزمية إلى هرم ماينقص الليل منه والنهار سوىماينقص النمل من أركان ثهلان.

منذ فترة ليست باليسيرة وأنا أحاول التسلل متخفيا الى عوالم الجيلاني والاقتراب من أسوارهلكن ما ان أهم بالانطلاق حتى أجدني حافيا تماما من أدوات الكتابة خاليا من كل مقومات التفكير وأدوات التسلق.

فكرت ذات مرة في تقمص شخصيته واراتداء روحه الشفافة كي أطلع من خلالها إلى عوالمه الخلابة لكنها كانت أشبه بمحاولة الأمي الذي تقمص النظارة ليقرأ دون سابق دراسة أو تعلم.

إذا لا سبيل لي الآن إلا أن أغزوه هذه المرة من خلال قراءاته النقدية ودراساته الممتدة من جيله إلى جيلنا الحالي

سأبدأ من حيث انتهى أخيرا في دراسته حول شعرية الشاعر حسين البحاري وتاريخه ومعاناته التي اكتفيت بتحليلها في نفسي لكن مايهمني هنا هو الدارس لا المدروس وكلاهما عزيز على قلبي وكفى المدروس فخرا أن قرأه من هو أعلى مني مرتبه وأقدم تاريخا وأخصب إبداعا

يقول الجيلاني في مقدمته:
((والمشتغلون بالكتابة في اليمن من شعراء وساردين ونقاد ومؤرخين وصحفيين وأكاديميين يخلطون معظم الأوقات بين التباين في المواقف والرؤى والاختيارات والمناهج وحتى الأساليب والأشكال وسائر الاشتغالات التي يجد الواحد نفسه متحيزا لها وبين ضرورات التقدير وواجب التقييم المخلص والتحية المنصفة للآخرين
والبخس عندنا لا يتوقف على آفة الخلط فهناك الحسد والفرز المناطقي والاستبعاد الاجتماعي والسياسي والشللي ناهيك عن التنميط الذي يعد أشد تلك الأمراض فتكا وأكثرها حقارة لكونه يقوم على جهل بالمستهدف وإنتاجه))

في هذا الجزء من مقدمته حول شعر البحاري وشاعريته تتجلى نظرة الجيلاني الثاقبة ومعالمه النقدية الحصيفة وقلمه المنصف دائما في استهلاله ب/المشتغلين/بصيغة الجمع ربما حلم من أحلامه الجامحة إذ أن صفة الاشتغال صفة أكبر من صفة المهتمين او الكتاب أو غيرهامن الصفات ولكني ولثقتي في خبرته الأدبية أجزم أنه كان محقا لأنه أحد بل أكبر المشتغلين بالكتابة ولاعجب في ذالك فإبراهيم كان أمة واحدة وفي القرآن ذكرصنف من الناس وأتبع ب((قليل ماهم))
وقليل واضحة في معناها لكن الضمير /هم/له مدلوله وثقله في مقياس التفاضل والتكافؤ

*مالا يدركه الا القارئ العميق في كلام الجيلاني الآنف الذكر هو تطرقه إلى قضية/ضرورات التقدير وواجب التقييم/ وهي قضية دقيقة وحساسة أيما حساسيةوما يشهده واقعنا النقدي المعاصر أكبر دليل على ذالك فإن وجدت ضرورة التقدير غاب واجب التقييم وإن حضر التقييم غاب التقدير وتحول النقد إلى تحطيم وهدم
ولا تكاد تجد ناقدا يعي هذه الموازنة المهمة التي هي أشبه بسلاح فتاك ونافع في آن واحد ونفعه وضرره يرجعان إلى مهارة حامله وحصافته بل وخبرته تطرق الجيلاني أيضا إلى قضية الحسد والفرز المناطقي والشللي والتنميط الفتاك وهذه كلها أمراض لا يخلو منها مجتمعنا الأدبي والنقدي بشكل خاص..

لكن المتأمل في هذه القضايا النقدية التي أوردها وفي عنوان المقال قد يتساءل لماذا أورد كل هذا الكم من القضايا النقدية ومأرب حديثه تقديم شاعر معين وتقييم تجربته فقط أجيب أنه لا يمكن لصاحب بغية أن يصل إليها حتى يميط كل الأشواك عن طريقه فلا يمكن لأحد أن يتربع عرشا محفوفا بالمخاطر والأهوال ولا يمكن لعابد ان يقف في محراب حتى يتاكد من طهارته من جميع المبطلات كذالك الكتابة الإبداعية والنقدية على وجه الخصوصولكن قليل هم الذين يؤمنون أماكنهم ويطهرون أقلامهم للوقوف على محاريب الإبداع .

متعلقات