وضاح اليمن وجع الضوء القادم ولغة بيان الموقف ...دراسة فارع الشيباني
المستقبل اونلاين - فضاءات

آخر هزيمة للضوء.. تعاطي شعري فياض بالفعل الضوئي الملموم في داخلنا ذائقة الآخر حد الأسر.. بهاء يكبر معنا كلما كبر الوعد، وهو ينتظر قدوماً ما لنسيم فجر أنقى موشىً بالمحبة والعناق 11 قراءة أخرى لمعنى المعنى في دار كل حديث.. ولتخرس الألسن إن لم تنطق ما علمنا من منطق الطير فنزواله كما لو أننا نستنشق هواءً يجدد في رئتينا حركة وجودنا، كلما اشتد الاحتراق في دواخلنا، بوادر وبشارات تدلنا إلينا ونرتقي يميناً إلى حيث يوصلنا الضوء، مجللين في تخوم السماء والبقاء للثورة والتغيير والقادم أجمل .

ديوان شعر فيه دفقات ضوئية بإخراج جميل يحتوي على 35 نصاً مفتوحاً فيه الأغنية والرقصة شعراً يعطي إباحة واسعة للحن أن يأخذ نفسه البعيد، ويخرج بكذا وقفة وبكذا ترجيعة وصوت جمل شعرية قصيرة ولوحات مثقلة بالهزيج، يخرج من ثناياها “ لوركا “ وهو ينشد للفلاحين بريشة وضاح اليمن، وبهذا البوح الرافل بالألم تناغمت الأحداث وتنامت مع الحلم كلما كبر الألم في عرس الدم “ لوركا “ أو الشاكلة “ هزيمة الضوء “ “..

وضاح اليمن “التشكيلي الفنان والغنائي الفنان والقاص والروائي الفنان والشاعر الطافح بالحب لكل كائن حي، ويكثُر ولعه بالأحبة الأصدقاء وأبيه كل الضوء والشجن، نجده كلما رثى صديقاً له أو عزيزاً لازمه وسامره إلا ويصحب أباه مع كل زفرة ألم ونحنحة بكاء.

طالعنا الديوان في أول مصكوكاته بترانيم ذات أربعة مقاطع مختلفة: الصوت واللون والإيقاع مضمونها تحت عنوان “ آخر هزيمة للضوء “ مهداة لأبيه المرحوم وصديق عمره الراحل “ رمزي الخالدي “ ومن منا لم يبك على رمزي، ومن منا لا يتذكره ؟!! كيف وهو غواصٌ في أعماق قلوبنا، وفي الذاكرة كقوس قزح بعد صحو المطر:

إن الذي بيني وبيني

أضغاث أحلام هاربات

ليتهم تقيؤوا المسافات

واستكانوا عند آخر هزيمة للضوء

ليتهم أغمدوا أشواقهم

واستباحوا البكاء ..

من هذه زفرة الألم والتمني المستحيل ينقلنا وضاح اليمن إلى بكائية أكثر طفحاً وأكثر صدقاً في التعاطي الشعري الجميل:

ما ضرهم لو صادروا

بعضي وبعضي

للمدى تعويذة

ليتهم جاؤوا

عند انتصاف الجرح

وأخمدوا نصف احتراقي

هذا المقطع بالذات فيه شعرية صادقة اللفظ والمعنى وفيها صور شعرية سلسة وموسيقى، تخضع لأي لحن إذا حسبناها من حيث الموسيقى الخارجية كتطريب معبرة بالأصوات، ولكن ما أن يأتي الشاعر بهذه الجملة الشعرية “ عند انتصاف الجرح “ “ وأخمدوا نصف احتراقي “.. هذا تماهي لا حدود له في الشعرية داخل أبجدية الألم والصدق الفني اللافت ، يطالعنا النص بنقلة أخرى وكأنه يحملنا إلى مصافي نبع الكلمة وقوة الإحساس المسيطر على نفس ذوقي عالي المتن وقوى المبنى:

يجيء وقتي عارياً

ومعلقاً فوق احتضار الأماني

ما كان يجدر بالمآسي

أن تجيء هكذا

وبيني وبيني

سنين الخراب

إن الذي بيني وبيني

آآآآآه

لو يعلمون

فنية اللعب مع النفس المتعدد المعادل الصوتي وكذا التمكن من رسم حقيقة الألم، داخل الغموض الشعري، الذي جعلنا نعايشه، ونحن قد صعقنا من شدة سحره وجماله..!!.

“وضاح اليمن عبد القادر “ الثائر السياسي لم يسمعنا بقصيدته السياسية الصراخ، أو الهتاف غير المحسوب، ولكن يلسع بنورانية الفنان صاحب الريشة، التي تتوحد بالفعل والعمل، وليس مجرد هتاف يبح صوته عند نهاية الحدث، ولكن يدعم الفكرة برؤية محسوبة الخطوات ومحشودة الفعل في البياض، الفراغ.. تتعاطى معه النداءات الأخرى في توصيل الصوت إلى عدة قيم تحفظ مسلكيات الثورة في مسارها المتقدم والمتغير، يطالعنا النص “ فنجان قهوة للوطن القادم “ بهذا التعصب المدرك لما يقول والواعي ما يريد:

كفرت بالثائر

الذي يمضغك

ك “تخزينة القات”

ويرميك في أقرب رصيف

مقابل

“واحد شاي بالحليب”

إلى أن يقول:

4 ماذا لو باستطاعتي

أن أخبئ

هذا البحر في قنينة

لأستبيح وحدي

كل هذا

الصراخ

ماذا لو باستطاعتي

أن أحصي أقدام

من مررن على ذاكرة البحر

وانتعلن الرمل...

وهمسن للموج العاشق والمجنون

بلا خجل ....

ماذا لو باستطاعتي

إعادة تشكيل قلبي

فراغات إضافية

لموسم آخر قادم

يهطل إناثاً

بمقاسات مختلفة

ماذا لو أغير شهادة ميلادي

لأجيء بعد رحيل النظام

موسوماً بالحب

وأشياء أخرى لا يعلمها غيري

ماذا لو يتفرق دمي

بين الساحات

لتنمو أزهار البن

وتَعِدُ روحي للثوار

فنجان قهوة للوطن القادم ...

هذا الوعي من الكتابة ما يريده الوطن القادم والثقافة القادمة والشباب الطموح المرتقب فائدة الثورة والتغيير الشامل لمستويات شتى لكل الفئات البشرية، وهذه النصوص بينها وبين المدرسة الكبيرة للشعر الحديث الشاعر بدر شاكر السياب عندما جاءت ثورة عبد الكريم قاسم في العراق تأكل الخضر واليابس تمنى الشاعر وهذا ضمن من متطلباته، تمنى لو أنه نام وقال:

(آه يا عراق وددنا لو ننام

فنومنا براعم ابتسام)

ولنا لقاء مع الحلقة القادمة في متناول آخر لشعر وضاح اليمن الفنان..

متعلقات