"نينا سيمون "صوت الغضب
" وأنا على المسرح، شعرت حقا أنني حرة "
لعل تاريخ العنصرية ممتد مع الوجود البشري منذ الأزل، ولن ينتهي حتى مع تقدم البشرية، ولكن يظل الإنسان الحقيقي يناضل من أجل إثبات حقه في الحياة، والقفز فوق العقبات والحواجز التي تعرقل أو قد تنهي مسيرة حياته، وقد ظهرت الحركات المناهضة ضد التمييز العنصري في العصر الحديث بأشكال عديدة، لعل أهمها هو الفن، فكانت الموسيقى والغناء أداة عابرة للجنس البشري بكل أطيافه، أداة التعبير الأقوى عن الاحتجاج والرفض، سعيا إلى الحرية.
إن عظمة الفنّ لا تقف عند ارتقائه بالذّائقة العامّة، بل بانفتاحه على قضايا المجتمع الأكثر عمقا وتشعبا وتفاعله مع الأحداث السياسيّة بطريقته المميّزة. ولا يمكن للفن إلا أن يجد جذوره ممتدة من الواقع يتعامل معها ثم يتحرر من كل ما يمكن أن يعيق نموه، و هذا هو الفنّ الذّي قدمته نينا سيمون لجمهورها التي لم تكن لتنسلخ من واقع الاضطهاد وتتجاهل الظلم الاجتماعي والتمييز الواقع على السود. ينطلق الصوت غاضبا من حنجرة سوداء، معبرا عن رفضه للعنصرية، و متخذا من الفن بوابة للعبور نحو الحرية، هواء ممتد على طول أغانيها، ألحان تعبر الرياح لتشيد قصورها على انغام موجوعة، لا حواجز تقف أمام الموهبة الفذة غير معترفة بلون أو جنس، فكانت نينا سيمون.
لعل الحدث الذي أثار غضبها لينعكس فيما بعد في أهم أغانيها كان تفجير الكنيسة المعمدانية في برمنغهام ألاباما، سنة 1963، على يد عنصريين بيض. راح ضحيته أربع فتيات صغيرات من ذوات البشرة السوداء. خلَّفت هذه الحادثة العنصرية شعورًا عميقًا بالألم والغضب داخل سيمون، وترجمت هذا الشعور بكتابتها أغنية «Mississippi goddam» (اللعنة عليك يا مسيسيبي) عام 1963. ومن هنا بدأت في نضالها فالتحقت بحركة "السود الناشطين" فارتبطت بالقضايا السياسية بشكل كبير وخاصاً المتعلقة بالسود في أمريكا الأمر الذي جعلها تخلط بين الفن والسياسة حيث قالت: "لا أعتقد ان لديك أي خيار آخر كفنان، إلا أن تعكس هموم الفترة التي تعيش بها، وبخاصة عندما يكون كل يوم عبارة عن صراع من أجل البقاء". وظل حلم المساواة بين البشر الذي لم يكن مواليًا للمنطق الأمريكي، لكنه أخذ سيمون في مواجهة مع الواقع الذي كان سببًا لخلق هشاشة نفسية وشعور بالإخفاق أمام نفسها، مما جعلها تتساءل باستمرار: «ماذا إذا لم أكن جيدة ومقنعة بما يكفي؟» .
* كاتبة وشاعرة يمنية