جهود كبيرة للخارجية اليمنية لإحياء الدبلوماسية وإنعاش أدائها رغم الصعاب (تقرير)
المستقبل أونلاين-الموقع بوست-وئام عبدالملك

شهدت الآونة الأخيرة، تحركات مكثفة للحكومة اليمنية ممثلة بوزارة الخارجية، لإحياء وتنشيط الدبلوماسية اليمنية، بهدف حشد مزيد من الدعم الدولي للشرعية، وكذا الحفاظ على التأييد والاصطفاف الدولي القائم المؤيد للشرعية والرافض للانقلاب.
 
وتزامنت تلك التحركات، مع محاولات الانقلابيين لفتح قنوات تواصل دولية، بهدف الحصول على دعم وتأييد خارجي للخطوات الانقلابية التي اتخذوها مؤخرا، والمتمثلة في تشكيل المجلس السياسي وإعادة استئناف جلسات البرلمان وغيرها من الإجراءات الأحادية.
 
وبناء على التحركات التي قامت بها الشرعية مؤخرا، إضافة إلى جهود الدبلوماسية الخليجية والعربية، وما سبقها من خطوات تتعلق بإنعاش واستغلال الدبلوماسية اليمنية لحشد التأييد والدعم الدولي ضد الانقلاب، يمكن القول إن الخارجية اليمنية، قد نجحت إلى حدٍ ما في استغلال ملف الدبلوماسية في المحافل الدولية والإقليمية والعربية، من خلال المحافظة على الاعتراف الدولي بالشرعية، بالإضافة إلى حفاظها على وحدة الموقف الدولي من اليمن لحماية قضيته من الانزلاق إلى خيار التجاذبات بين القوى الدولية.
 
وفي مقابل النجاحات، ثمة جوانب إخفاق، ويعزوا متابعون ذلك الإخفاق، إلى كون الممثلين لليمن في السفارات والملحقيات في مختلف دول العالم، هم من بقايا النظام السابق، أو ممن هم ليسوا جديرين بشغل مثل هذه المواقع الهامة.
 
وقد تعاظم دور الدبلوماسية في اليمن، بعد أن وقف الجميع تحت مظلة الأمم المتحدة التي ترعى مشاورات السلام، فكان عليها الدور الأكبر للحفاظ على الشرعية، وعدم تقديم تنازلات تضر بمصلحة الوطن، في مواجهة حقيقية أمام عديد من التحديات، أخفقت في تجاوز بعضها، وتوفقت في الخروج بحلول للكثير منها.
 
ويرى  مراقبون وسياسيون أنه على الرغم من الظروف الصعبة التي تعمل بها الخارجية اليمنية، إلا أن الجهاز الدبلوماسي تمكن من إقناع معظم دول العالم بضرورة تأييد خيار استعادة الدولة والقضاء على الانقلاب، الذي سيطر منذ حوالي عامين على العاصمة صنعاء ومحافظات أخرى، وكذا تثبيت المرجعيات الثلاث لإنهاء أزمة البلاد، والمتمثلة بـ" المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني الشامل، والقرارات الدولية ذات الصلة وعلى رأسها القرار 2216"، وهما أكبر التحديات التي كانت تهدد الشرعية.
 
إخفاقات وتحديات ونجاحات
 

ورقة الدبلوماسية تعد من أبرز نقاط القوة التي يمكن لأي سلطة أن تستغلها لدعم شرعيتها، وعلى الرغم من أهميتها إلا أن السلطات الشرعية  لم تتمكن كثيرا في استغلال ذلك كما ينبغي، وتنبهت لهذا الأمر وزارة الخارجية مؤخرا، فكثفت من التعيينات في السلك الدبلوماسي وعينت 13 سفيرا في عديد من الدول، لكن مراقبين أكدوا أن ذلك ليس كافياً ، وأن الوزارة لازالت تحتاج لتغييرات هيكلة كبيرة لملئ الفراغ الذي خلفته الإدارات السابقة بإيعاز من الرئيس المخلوع"علي عبدالله صالح" منذ 2011 .
 
وما تزال أمام الوزارة الكثير من التحديات خاصة في ظل وجود عدد كبير من المنتمين للسلك الدبلوماسي الذين تم تعيينهم في فترة نظام الرئيس المخلوع "علي عبدالله صالح"، الذي كانت تتم بعضها على  المحسوبيات، ما خلّف عددا كبيرا من الكادر غير الكفء، الذي يحتاج إلى تدريب وإعادة تأهيل، أو تغذية الجهاز الدبلوماسي بدماء جديدة خاضعة للمعايير المهنية ، وأيضا التصدي لمحاولات فرض التقاسم الحزبي للوظيفة في هذا الجهاز الحساس ، وحماية هذا الحقل من تجاذب القوى السياسية المختلفة وتسابقها على التعيينات في مناصب حساسة تحتاج إلى اختصاص، كون القانون يمنع الدبلوماسيين من ممارسة العمل الحزبي .
 
الجدير بالذكر أن ميزانية وزارة الخارجية التي تعد من أهم الوزارات السيادية، في البلد، إلا أن موازنتها المالية تبلغ 0.67% من موازنة الحكومة، وهو ما يضيف عبئا آخر على الوزارة، التي ما تزال مكبلة بمشكلات إدارية جمة، ومع ذلك، فقد حققت أشياء كثيرة منها تنفيذ قرارات الاستدعاء للدبلوماسيين، الذين انتهت فترة ابتعاثهم وإحلال جدد، وفقا لنظام إجراءات الاستدعاء، وكذا استدعاء من يثبت تواطئهم مع الانقلابيين.
 
وتعمل الوزارة حاليا وفق مصادر خاصة تحدثت لـ(الموقع بوست)، على تنفيذ حزمه من القرارات الإدارية، التي تشمل ترقيات وتعيينات جديدة وفقا لقرارات مؤتمر الحوار الوطني وقانون السلك الدبلوماسي والقنصلي .
 
وبدأت الوزارة في التواصل والتفاعل مع الجمهور عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي لتسهيل التواصل مع المواطنين، وذلك من أجل تشكيل رقابة شعبية على مدى تفاعل السفارات مع قضايا المواطنين بالشكل المطلوب، بالإضافة إلى قيامها بالتحقيق في قضايا عدد من البعثات استجابة لشكاوى اليمنيين، وكذا استعادتها لدورها لتكون قناة التواصل الوحيدة الرسمية مع العالم، وفقا لما هو معمول به في مختلف دول العالم.
 
يُذكر أن قيادة الوزارة كانت أكثر تفاعلا مع قضايا اليمنيين بالخارج أكثر من ذي قبل، ومنها على سبيل المثال قضية الطالبة اليمنية منى مفتاح، وقضية اليمنيين العالقين بمطار الملكة عليا بالأردن، وقضايا الطلاب المبتعثين للدراسة برغم أن كثير من مشكلاتهم يتسبب بها الانقلابيون، الذين يوقفون مخصصات الطلاب لإرباك الحكومة الشرعية والتشهير بها.
 
وشكلت خطوة إنشاء مركز الإصدار الآلي للجوازات في عدد من المحافظات المحررة، وفتح بعضها في السفارات لتسهيل حصول المواطنين على جوازات، واحدة من اهم الانجازات حققتها اللجنة العليا للجوازات التي يرئسها وزير الخارجية ، إذ تم إيقاف عبث الانقلابيين بالجوازات واستخدامها لأغراض مخالفة للقانون وتتسبب بمخاطر أمنية على الأمن المحلي والإقليمي .
 
نقلة نوعية بعد الفراغ والعزلة
 
يقول رئيس مركز الجزيرة العربية للدراسات نجيب غلاب، إن الدبلوماسية اليمنية حققت نقلة كبيرة في حركتها، وتم تفعيل قدراتها باتجاه إسناد ودعم الشرعية، بعد أن كانت في حالة فراغ ومعزولة وأكثر ارتباطا بأطراف الانقلاب، نتيجة سيطرة المشرف الحوثي على الوزارة في صنعاء، وعجز من التواصل الفاعل مع البعثات الدبلوماسية في الخارج.
 
وأضاف"غلاب" في حديث خاص لـ(الموقع بوست): "كان لوزير الخارجية المخلافي دورا مؤثرا في تفعيل دور الدبلوماسية اليمنية على المستوى العربي ليس الرسمي وحسب، بل حتى على مستوى الرأي العام، فشخصيته القومية كان لها دورا بارزا في التأثير".
 
ولفت إلى أن" الوزير المخلافي لم يتعامل بأسلوب إقصائي، بل فتح أفق للتواصل وفق ما تقتضيه قوانين وأعراف المؤسسة الدبلوماسية، وفعّل دوره باتجاه واضح، لا يستهدف إلا إعادة الجهاز الدبلوماسي إلى  وظيفته كذراع شرعي، وتحريره من توظيفات الانقلاب".
 
ومن الواضح-حسب المحلل السياسي اليمني- أن العالم كله مازال يؤيد ويدعم ويساند الشرعية، ولم يتمكن الانقلاب من تحقيق اختراق للاعتراف به وبإجراءاته، وهذا دليل فاعلية الدبلوماسية اليمنية.
 
ورأى" غلاب" في معرض حديثه أن من المهم ضبط أداء الفعل الدبلوماسي من خلال الالتزام بالأعراف والقوانين الضابطة لعمله، وهذا ما حرصت عليه الخارجية اليمنية، محذرا من أي محاولة للتلاعب أو ممارسة الضغوط، كون ذلك سيؤدي إلى حالة من الإرباك والاضطراب في وظيفة الدبلوماسية، وقد يخلق صراع لا داعي له في مرحلة خطيرة.
 
"المشاورات" محطة ثبات أخرى
 
من جانبه قال المحلل السياسي فيصل المجيدي، إن الدبلوماسية اليمنية حاولت استعادة دورها، واستطاعت الخارجية أن تقيم عدة تواصلات مع دول مؤثرة، لامتصاص كثير من المواقف التي كان يمكن أن تصدر عنها، بالإضافة إلى تحركها باتجاهات عدة، تخدم الشرعية.
 
وبيّن لـ(الموقع بوست) أن وزير الخارجية عبدالملك المخلافي استطاع أن يعيد للدبلوماسية رونقها بشكل كبير، وخلق نوع من التكامل للوزارة، وترتيب الملف الدبلوماسي، على الرغم من عملها في ظروف صعبة، بسبب ارتباط عدد من المنتسبين للسفارات اليمنية في الخارج بالمخلوع صالح، وكون العمل الدبلوماسي يحتاج إلى مكاتب وتواصلات على مستوى الداخل أيضا.
 
وتعد المشاورات أبرز المحطات التي تمكن خلالها الوفد الحكومي من امتصاص الضغوطات الدولية، والحفاظ على الشرعية، وعن ذلك قال المحلل السياسي اليمني إن الوفد الحكومي الذي يترأسه نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية عبدالملك المخلافي، حاول إدارة المفاوضات بطريقة تنم عن نوع من الذكاء السياسي في التعامل مع هذه المواقف، خصوصا وأن جماعة الحوثي أتت ولديها أجندة محددة، تتمثل في إلغاء قوة الوفد الحكومي المتمثلة بالشرعية، والمشاركة في حكومة وحدة وطنية قبل تسليم الأسلحة، ومحاولة إسقاط القرار 2216، واحتواء الموقف والضغوطات الدولية، فظلوا يماطلون طوال تلك الفترة، فيما تمثلت أجندة وفد الشرعية بالتمسك بالمرجعيات الثلاث لإنهاء الأزمة اليمنية.
 
وعن التنازلات التي قدمها الوفد الحكومي يرى المحلل السياسي اليمني، أن الوفد لم يقدم تنازلات تمس الخيارات الوطنية الكبرى ولا المرجعيات الأساسية للمشاورات، على الرغم من محاولات بعض أطراف المجتمع الدولي للالتفاف على قرار 2216 بمحاولة إدراج بند تشكيل الحكومة قبل تسليم السلاح والانسحاب، واقتصرت التنازلات على تحول إيجاد آلية لانسحاب الانقلابيين وكذا رفع الحصار عن المدن وتحديدا تعز، والإفراج عن المعتقلين من شرط للجلوس في المشاورات، إلى جدول انتهى أمام المفاوضين بلجان تم تشكيلها عقب ذلك،حد قوله.

 

 

 

 

 

متعلقات