"امرأة وعرية".. تمرد على الموت ومعانقة لفعل الحياة

حوار مع الكاتبة الفلسطينية "تفاحة سابا"

                                        تديره ..سهير السمان

أصدرت الكاتبة الفلسطينية تفاحة سابا باكورة أعمالها الشعرية, بعنوان "امرأة وعرية" في نهاية شهر أيار سنة 2020.

يتضمن الكتاب 44 نصا شعريا كتبتهم الشاعرة خلال أربع سنوات ما بين 2016-2020 وهي مرتبة زمنيا.  يمتد هذا الكتاب على 169 صفحة بما في ذلك مقدمة للدكتورة روزلاند دعيم وهي عبارة عن دراسة للكتاب وقد كتبت الشاعرة بالإضافة إلى ذلك شكرا وامتنانا تقول فيه:

" أقدم باكورة أعمالي الشعرية "امرأة وعرية" هذه, مع تحية شكر وامتنان لكل ما فاضت به علي الحياة من هبات وهدايا جعلتني أُقبل على ما تجود به علي بنهم وشغف لا يعرفان الحدود في واقع أراد للمرأة أن تعيش ضمن قوالب مفروضة وضمن خارطة طريق مرسومة.

أقدم كتابي هذا مع تحية شكر وامتنان لما منحتني الحياة من تحديات وصعوبات جعلتني أكبُرُ وجعلت هذا العالم يكبر في داخلي لأصبح أكثر ليونة وتتفتح روحي على كل إمكاناته فيصير مثيرًا بتعدده, متاحًا لي بكل أبعاده, معيدًا لتكويني كل مرة من جديد... تاركا إياني في خضم دهشة مستمرة.

واختتمتها ب " جزيل شكري أقدمه لكم - قراء هذا الكتاب - على مرافقتكم لي في رحلة الغوص والتحليق هذه, إلى دواخل ذاتي وفي العالم الخارجي, عل روحي المنحوتة في النصوص تثير أرواحكم وعل القضايا التي تشغلني تستثيركم ونلتقي.

أضع بكثير من الحب عالمي ببعض أبعاده بين أياديكم." 

فكتابها هو نتاج تجاربها وخبراتها المتعددة وأسفارها الكثيرة وفيه تتجلى روحها بأبعادها المختلفة وقد قالت عندما سألتها.. عن القضايا التي أثارها الديوان على مستوى الموضوع والأسلوب:

إن كل نص يحكي شيئا عنها؛ أفكارها, أحلامها, قيمها, مواقفها في الحياة, عواطفها, توقعاتها, غضبها, قلقها, أحزانها, أفراحها, خيالها, تمردها وانكسارها.

 ولكن الكتاب ليس شخصيا فحسب، بل يحمل هما إنسانيا – نسويا لذلك فالقضية المحورية لديوانها هي الإنسان- حريته وكرامته في هذه الحياة التي تديرها الكثير من القوى العاملة على تهميشه, على قتل ملكاته وقدراته, على التلاعب بمصيره. وضمن هذه القضية الكبرى تبقى قضية المرأة هي الأهم وهي المركز في كل قصائدها. وكما تقول: " لا يمكن أن أنظر الى هذا العالم وأتعامل معه منفصلا عن قضية المرأة..."

قالت أن شعرها يتبنى من حيث الموضوع قضية تحرير المرأة من القمع والاضطهاد الذي مورس ضدها على مدار عصور وتذويتها هي لهذا القمع. تكشف في قصائدها عن حجم المأساة ولكنها تترك مجالا للأمل فتكتب من أجل أنسنة الرجل والمرأة من جديد على حد السواء وقالت أنها تعبر عن ذلك أحيانا غاضبة, متمردة, متحدية وأحيانا أخرى حزينة منكسرة...

هذا الديوان بنظرها هو محاولة لإعادة صوت المرأة الذي غيبته الحضارة الإنسانية بكل مؤسساتها.   

أما على مستوى الأسلوب فالشاعرة تعتبر الشعر فعلا تحريريا فيه تمرد على الموت ومعانقة لفعل الحياة. تقول: " إن اسلوبي هو نبض روحي, أنا لا ألتزم بمبنى أو تعريف أو صيغة أنا متمردة على القوالب, أكتب كيفما أشعر في لحظة الكتابة". فهي  لذلك لم تلتزم بالمباني الشعرية المتعارف عليها, كالوزن والموسيقى والقافية, هي تعتبر الشعر حروفا شقية عليها أن تستفز وجدان القارئ وأفكاره وقيمه وخياله, لذلك عليه أن يكون منفلتا من الحذر ومن القيود بكل أنواعها, يجب أن يكون أحيانا كالعاصفة يزمجر بك غضبا ويحملك على شغف الغوص فيه, هو نحت في القلب, في الروح, في النفس, في الوجع وهو في نفس الوقت منحوتة تفيض حبا وعشقا معتقا وهذه الأشياء لا يمكن أن تقولب

هناك موتيفات تتكرر عندها: كالرقص, عناصر الطبيعة المختلفة, الإلهات

وبالنسبة للموسيقى فتقول: " موسيقى ما أكتب هي الذبذبات كما أشعرها في كل خلية في جسدي, لا تعنيني الزركشات اللغوية ولا توجد لدي رغبة في ابراز أي عضلات لغوية. لا يعنيني ان أتهم بان شعري بسيط وواضح, ما يعنيني هو صدقه في نقل الحالة الوجودية والقضية التي أريد طرحها... في نهاية الأمر انا اعتقد أن الأجمل هو ما يلامس روحنا, ما يستفز فينا قضايا وجودية ووجدانية وما يستثير فينا شهوة الحياة مهما توغلنا في الحزن"

هل أثرت تجربة السفر الشخصية على أسلوب كتابتك؟

بكل تأكيد, أنا أقوم بكثير من الأسفار في العالم, أحيانا أشعر أن خلايا جسدي كما روحي تحتاج للرحلة – الطبيعة الجديدة, الناس, الحضارة, الهواء وغير ذلك كثير بنفس القوة التي يحتاج بها مدمن المخدرات لجرعته

أمارس نوعين من الأسفار الأول هدفه اكتشاف بلاد جديد والاستمتاع والثاني هدفه روحاني, فقد درست علم النفس البوذي والمايندفولنس وأمارس تدريبات التأمل وهذه الأسفار أغنت كثيرا ما أكتب. العديد من القصائد كتبتها أثناء سفري أو بعده مباشرة بإيحاء وبتأثير ما يحدث لي هناك.

كما أضافت قائلة: "كلما انفتح عالمنا إلى العوالم من حولنا كلما أصبحت تجربتنا أغنى وقدرتنا على ملامسة روح الأشياء أسهل وأكثر ومباشرة, ليست هناك إمكانية لكتابة ثرية تطرح أسئلة وجودية وفلسفية وأخلاقية ضمن عالم محدود. الكتابة بحاجة لرافعة العوالم المتعددة المختلفة وحتى المتناقضة. أغلب الصور والمشاهد, الألوان والروائح, الأفكار, في قصائدي هي نتاج هذه الأسفار"

وردا على سؤال ماذا تريد أن تقول الأنثى حين تكتب الشعر؟

قالت: "أنا أعتقد ان استعمال مصطلح الأنثى غير صحيح وغير دقيق وهو يحشر المرأة في وظائفها البيولوجية, أفضل عوضا عنه استعمال مصطلح "المرأة". أعتقد أن كل امرأة كاتبة تأتي بصوتها من خلال تجربتها الشخصية ومواقفها ومن خلال ما هو متاح لها ضمن ظروف مجتمعها. أعتقد أن المرأة كممثلة لشريحة مستضعفة يحب أن تخرج من قوالب الرجال وتأتي بصوتها, بوجعها, بغضبها, بتمردها. يحب أن تكون صادقة مع ذاتها ومع الحياة فلا تكرر مفاهيم الرجال ولغتهم وتصورهم لما هي المرأة وما هي الحياة وكيف يجب أن تكون العلاقة بينهما, ثم أضافت: " المرأة عندما تكتب عن المرأة تتهم بأنها تضيق العالم في حين أغلب كتابات الرجال هي عن النساء وعن علاقتهم بهن ولا يتهمون بمثل هذا الاتهام. الكتابة عن المرأة من خلال المرأة يجب أن تكون في الأساس كتابة إنسانية ولذلك لا بد لها ان تكون عالمية بالدرجة الأولى حتى لو خاضت في أكثر القضايا محلية او خصوصية لأن الشخصي هو سياسي وما يحدث مع المرأة في مكان ما من العالم يحدث لأنها امرأة تنتمي لهذه الشريحة من الناس"  

ما دلالة العنوان في ديوانك?

هذا عنوان إحدى قصائد الكتاب "امرأة وعرية" وهي تحكي عن تلك المرأة "الوعرية" من كلمة وعر, الغجرية الموجودة داخل كل امرأة مهما تأنقت أو تألقت, تلك المرأة التي تشبه الوعر, فهي مثله تلقائية, عفوية, طبيعية, عشوائية, متعددة الألوان والأشكال, متمردة, شغوفة بالحياة, لا تقيم للقوانين والقيود مكانا ووزنا فهي كالوعر عصية, وحشية, نهمة, تفعل ما يحلو لها, غير نمطية تفاجئنا كل مرة من جديد لأنها مليئة بالحب أولا تجاه نفسها, ثم تجاه الحياة هي مفعمة بالجمال تبثه أينما حلت ومن خلال- وعريتها هذه غير القابلة للقمع تحدث الثورة وتقلب الموازين.

خاص المستقبل أون لاين