بعد إقرار الشيوخ الأمريكي لمشروع قانون ضحايا 11 سبتمبر .. السعودية ما بين الابتزاز والعزلة (تقرير)
المستقبل اونلاين / الموقع بوست /وئام عبدالملك

بعد موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي في 13 سبتمبر/أيلول الجاري، على مشروع قانون يحمل اسم "العدالة ضد رعاة الإرهاب"، والذي يسمح للناجين من هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وذوي الضحايا بإقامة دعاوى قضائية ضد حكومات البلدان المتورطة بالحادث؛ للمطالبة بتعويضات، ورفع الحصانة الدبلوماسية تجاه أية دولة مسئولة عن وقوع هجمات إرهابية على الأراضي الأميركية، تم إحالة مشروع القانون إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما، للبت فيه وإقراره كقانون، أو استخدام حق النقض" الفيتو".
 
ومن الممكن أن يتم استصدار ذلك القانون، الذي جاء نشره بعد انعقاد قمة أمريكية خليجية في الرياض في 21 أبريل/نيسان الماضي، لكن هناك الكثير من الأمور التي ساهمت في تأخر ذلك القرار، منها وجود انقسام داخل الكونجرس، وفشل انقلاب تركيا، والغموض الذي ما يزال يلف أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، واعتقاد البعض بتورط واشنطن نفسها بشكل مباشر أو غير مباشر في ذلك الحادث،  كذلك فإن تحفظ أمريكا على أموال أي دولة بمثل ذلك القانون، يهدد بيئتها الاستثمارية، كما أن القلق يعتري الأمريكان من أن تبيع السعودية سندات حكومية أمريكية تبلغ أكثر من 750 بليون دولار للصين المنافس الأول لهم خوفا من تجميدها، بالإضافة إلى تبرئة السعودية في وقت سابق من التورط في استهداف مركز التجارة الدولية، ومقر وزارة الدفاع الأمريكية" البنتاغون"، وراح ضحية ذلك أكثر من 2500 شخصا.
 
ومن المتوقع في حال لم يوافق البيت الأبيض الذي يتحضر لاستقبال رئيس جديد للبلاد- وهو الأمر المرجح- أن يواصل الرئيس الأمريكي" اوباما" لعبة الابتزاز السياسي التي يجيدها، خاصة مع جود رغبة لدى واشنطن للتدخل في الملف اليمني، والتفاوض مع إيران حولها، وسيكون ذلك كفيلا ببقاء المشروع معلقا.
 
وما تزال تتوالى ردود الأفعال الدولية المنددة بمشروع قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب"، والذي هو موجه أساسا ضد المملكة العربية السعودية، وهو المشروع الذي تعتبره كثير من الدول انتهاكا للسيادة، ويخالف ميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ القانون الدولي، ولا يستند إلى أساس في الأعراف الدولية، كما يمكن أن ينتج عنه انعكاسات سلبية على التعاون الدولي في إطار مكافحة الإرهاب.
 
هل يستهدف السعودية ؟
 
يرى مراقبون أن مشروع القانون الجديد يستهدف المملكة العربية السعودية، ويبدو أن الإدارة الأمريكية تمضي بخطىً ثابتة، نحو سلب الرياض موقعها الديني، وتدويل المقدسات، ونقل العمق الديني إلى إيران راعية التيار الشيعي في المنطقة، وهو مرتبط بالحيلولة بينها وبين القوى الإقليمية كتركيا ومصر، تلك الدولتين اللتين يمكن أن تشكلا بالتقارب مع السعودية قوى رادعة لمجابهة مخطط التقسيم الذي تسعى إليه أمريكا، هذا ما تقوله خطوة موافقة الكونجرس على مشروع القانون الجديد، وكذا مؤتمر " غروزني" الذي عقد في الفترة ما بين 25 و 27 أغسطس/آب الماضي، وكشف عن تشابك الموقف" الروسي الإماراتي المصري"، وعدّه عدد كبير من العلماء أنه وسيلة لضرب السنة، وتثبيت تهمة الإرهاب بالفكر الوهابي، وغض الطرف عن الإرهاب الذي تمارسه مليشيا إيران، وهو يعيد إلى الأذهان عمليات التهجير للسنة في بعض مناطق سوريا، المسرح الأوسع لتلعب فيه القوى الخارجية على هذا الوتر.
 
ثمة إدراك سعودي لتلك المخططات التي تحاك ضدها، فعملت على التخلص من الهيمنة الأمريكية، بعد أن أدارت لها واشنطن لها ظهرها، ولم تعد الحليف المهم الذي يحمي مصالح الخليج، وبدأت بالخروج من الطوق الأمريكي، والسعي للوقوف على قدمها، فأعلنت رؤية جديدة واسعة لتحقيق ذلك، لكنها بحاجة لبعض الوقت لتنفيذها، وقد لا يكون الأمر سهلا، خاصة في ظل وجود السعودية في منطقة غارقة في الأزمات، التي عطلت أدوار كثير من البلدان المهمة كسوريا.
 
مرحلة جديدة
 
لا يبدو بأن ثمة طريق معبد، ينتظر العلاقات الأمريكية السعودية، بعد أن صارت إيران الحليف الأبرز للأولى في المنطقة، وتغيرت قواعد اللعبة منذ أن توصلت الدول 5+1 لاتفاق مع طهران بشأن برنامجها النووي في يوليو/تموز 2015، وستزداد وعورة الطريق فيما لو تم صدور ذلك القرار، وإلصاق التهمة بالمملكة العربية السعودية في أحداث 11 سبتمبر/أيلول.
 
انتهى عهد النفاق الذي مارسته الولايات المتحدة الأمريكية منذ ثورات الربيع العربي، وارتفع صوتها عاليا، فبدأت بالتحرك الجديد الذي يبدو أن عنوانه سيكون الحرب ضد- ما تسميه- الإرهاب الجديد" الوهابية"؛ لمواصلة ابتزاز المملكة العربية السعودية، التي تواجه المشروع الأمريكي في المنطقة، الذي تنفذه ذراعها" إيران" بزعزعة أمن واستقرار المنطقة، وإشعال الحروب وبنفَس طائفي.
 
إيران أم السعودية
 
وفي هذا السياق قال الكاتب والصحافي محمد اللطيفي إن السعودية أخذت مشروع القانون على محمل الجد، بسبب وجود تفاصيل في مسودة المشروع تشير إلى ورود اسم المملكة في ثناياه، لافتا إلى أنه لا توجد تفصيلات كثيرة حول طبيعته، ولا أدلة كافية تؤكد استهداف السعودية من خلاله، خاصة مع نشر الصحف الأمريكية في وقت سابق لحكم ضد إيران يقضي بصرف 10.5 بليون دولار لأسر الضحايا الذين قتلوا في هجمات الـ11 من سبتمبر الإرهابية.
 
وأضاف لـ(الموقع بوست) أن هذا القانون قد لا يكتب النجاح في صدوره، لأسباب تتعلق باستراتيجية العلاقة بين أمريكا والسعودية، وهي علاقة متينة رغم كل الاختلافات الحاصلة حول ملفي سوريا واليمن، ولذا فإن الرئيس الأمريكي أوباما هدد باستخدام حق الفيتو ضد  القانون في حال تمت الموافقة عليه، وفي ذات الوقت فإن تهديد الخارجية السعودية قد يؤخذ على محمل الجد من قبل الإدارة الأمريكية؛ لأن بيع السعودية لسنداتها المالية قد يؤثر- في نظر خبراء اقتصاديين - على الأسهم المالية الأمريكية، كما أن هذا القانون من الناحية السياسية، إذا ما قدر له التنفيذ سيسمح بمقاضاة أمريكا في دول أخرى على ذات الأسباب.
 
ويرى الكاتب "اللطيفي" أن القرارات القضائية الأمريكية لا تصدر في الأساس لأسباب سياسية، لكن التجارب أكدت أن السياسة الأمريكية تقوم في الغالب بتسييس تلك القوانين وخصوصا المتعلقة بمحاربة الإرهاب، لصالح  تطويع دول الشرق الأوسط لصالح  أجندتها الخاصة، كما يعتقد أن كلا من (السعودية وإيران) ستكونان تحت مرمى  القرار  في حال صدوره، وبحسب التوقيت الأمريكي، حد وصفه.
 
وعن خيارات السعودية لمواجهة مثل ذلك القرار في حال صدور، أشار الصحافي اليمني إلى أن الأمر يستدعي تنشيط دبلوماسيتها بشكل فعال، كما هو الأمر مع الدبلوماسية الإيرانية التي تنشط بشكل فاعل في أوربا وداخل أمريكا.
 
ووفقا لـ"اللطيفي" فإنه إذا لم تستطع الدول العربية وخصوصا السعودية، صناعة لوبي فاعل داخل الدوائر الأمريكية والغربية، فإن الخطر قادم عليها سواء من هذا القرار أو من غيره.
 
التعويضات
 
من جانبه أوضح المحلل السياسي فيصل علي إن ليبيا وبموجب الحكم الذي صد ر بحقها في حادثة لوكربي، دفعت 10 مليون دولار، وستكون السعودية بموجب هذا القانون ملزمة بدفع تعويضات لكل فرد 10 مليون دولار ×3000 ضحية= 3 ترليون دولار، بالإضافة إلى تعويض خسارات نيويورك التي ربما تصل إلى 3.3تريليون دولار.
 
وأشار في تصريحه لـ(الموقع بوست) إلى أن الأصول السعودية في الولايات المتحدة  تصل إلى تريليون دولار، بمعنى ستكون مطالبة بدفع 2.3تريليون دولار، ما يعني أن السعودية ستكون في ورطة حقيقية، لكنها بعيدة المدى، إذ ستمتد فترة المحاكمات إلى سنوات أو عقود، مستدركا بالقول" لكن قانونيا من نفذوا العمليات هم في الأصل ضد حكومة المملكة العربية السعودية وضد أميركا، وليسوا كمنفذي عملية لوكربي من عملاء الاستخبارات الليبية، وبالتالي فإن فرص السعودية في البراءة قانونيا كبيرة، إذا كان الحكم قانونيا لا سياسيا".
 
وبحسب المحلل السياسي اليمني فإن هناك ضغوط ضد المملكة تصب في مصلحة أعدائها في المنطقة وعلى رأسهم إيران، لافتا إلى انحسار العلاقات الأمريكية  السعودية مؤخرا، وذلك لأسباب اقتصادية أهمها قدوم طاقة بديلة للنفط السعودي، ستغير موازين العالم تدعى "الثوريوم"، ولأسباب سياسية تتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية، والتي تريد تغيير خرائط الشرق الأوسط بناء على مصالح جديدة وشرق أوسط جديد أكثر ضعفا وأكثر خضوعا لأمريكا.
 
واختتم حديثه بالتأكيد على أن كل ذلك مجرد مخططات قد لا يثبت منها شيء، لأن الشعوب والدول في الشرق الأوسط ليست قطع دومينو سهلة اللعب والتحريك، وربما تهور الأمريكان ومن في صفهم قد يخلق واقعا في الشرق الأوسط مغايرا لكل التوقعات.حد قوله.

 

 

 

 

متعلقات