صور غائمة للقاهرة بتناقضاتها في معرض "الطريق الدائري" الفنان عمرو الكفراوي يجمع بين الفوتوغرافيا والرسم والطباعة لتشكيل المشهد بطبقاته

 

ياسر سلطان 

 

تستضيف قاعة مصر للفنون في القاهرة معرضاً لأعمال الفنان عمرو الكفراوي تحت عنوان "الطريق الدائري"، يشير العنوان في جانب منه وعلى نحو مباشر إلى أحد أشهر الطرق العلوية التي أنشئت خلال النصف الثاني من القرن العشرين في القاهرة، وهو الطريق الدائري المحيط بالعاصمة المصرية وضواحيها المتاخمة لها. بدأ العمل في إنشاء هذا الطريق في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي كأحد الحلول العملية للأزمة المرورية الخانقة في للعاصمة، التي توسعت على نحو مُطرد وعلى فترات تاريخية متعاقبة حتى استحالت الحركة بين أطرافها إلى مغامرة مرهقة. 

أتاح الطريق الدائري انتقالاً أكثر سهولة بين أطراف المدينة وضواحيها المتباعدة ووفر الوقت للقادمين إليها من المدن الأخرى أو الخارجين منها، لكنه تحول مع مرور السنوات إلى رمز لسياسات طويلة من الإهمال والتراخي والفساد الإداري. يربط الطريق الدائري مساحات شاسعة من الرقعة العمرانية التي ظهرت على فترات خلال العقود الماضية بتخطيط أو من دون تخطيط. بعض هذه المناطق التي يمر فيها هذا الطريق تحولت إلى عشوائيات مكتظة بالسكان، احتلت هذه العشوائيات خلال العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية مكان الرقعة الزراعية المحيطة بالعاصمة واستوعبت شلال الهجرة الهادر الذي لا يتوقف من الريف إلى المدينة ما فاقم حالة التكدس والزحام، واستدعى حلولاً جديدة ومزيداً من الطرق العلوية. يمر الطريق الدائري عبر هذه المناطق والأحياء المختلفة في تكوينها وأسباب نشأتها، ويستطيع المار عليه أن يُلقي نظرة قريبة وسريعة على العمران القاهري بتناقضاته واختلاف مستوياته.

تفاصيل المشهد

 

لا يرصد الكفراوي كل هذه التحولات والتناقضات بقدر ما يتفاعل معها على سطح المساحة التي تعج بالكثير من الوسائط، من الفوتوغرافيا إلى الرسم والطباعة على ورق معاد تدويره. مستويات مختلفة ومتداخلة لتشكيل المشهد تحمل طبقات من الممارسة الفنية لإعادة هيكلة الصورة واستدعاء لخبرات شخصية ورؤى ذاتية لها علاقة بتصورات الفنان نفسه عن المدينة التي وجد نفسه جزءاً من تكوينها ونسيجها، يبتعد عنها ليعود إليها من جديد. يعمل الكفراوي حالياً بين القاهرة وكندا، ربما يحمل هذا النأي والغياب عن المشهد فرصة أكبر للإلمام بطبيعته والعثور على تفاصيل قد تكون غائبة أو تائهة وسط هذه الفوضى. معظم لوحات الكفراوي التي يعرضها هنا هي لوحات ذات مساحات كبيرة نسبياً يُحَاصر المشهد في بعضها داخل مساحات دائرية، أما سطح اللوحة فهو مشغول بمساحات مستطيلة وصغيرة من الورق المعاد تدويره تتجاور إلى جانب بعضها لتصنع شبكة من الخطوط المتقاطعة تخترق هذا المحيط الرمادي الغائم.

في لوحات عمرو الكفراوي تحتل البنايات الضخمة كامل المساحة في ظل اختفاء واضح لسكانها أو حتى إشارة صريحة تشي بوجودهم. ولوهلة قد يتهيأ لك أن هذه البنايات الضخمة والمتشابكة ليست مصنوعة من الإسمنت، بل تتراءى كوحوش رمادية رابضة على جانبي الطريق، كائنات مهولة لا تتبين معالمها تتمدد طولاً وعرضاً وتنتشر على الجانبين، بينما يتقلص الفراغ من حولها حتى يكاد يتلاشى في مساحة السماء والأجزاء المتبقية من السطح. في اللوحات يتوارى الأخضر ليصطبغ هو الآخر بالهيئة الكالحة والدرجات الرمادية للبنايات، ويبدو كمحاولة فاشلة لإضفاء مسحة من الجمال على المشهد، محاولة تؤكد قبحاً أكثر مما ترسم جمالاً. فقدت القاهرة جانباً من بريقها عبر عقود متعاقبة، لكنها تظل حاملة للأوجه والتناقضات، مدينة تراوح بين قبح وجمال، بين فوضى وانسجام، بين سكينة وصخب.

 

يحاول الكفراوي التعبير عن هذه التناقضات، ويضيف إليها شيئاً من ذاكرته وتجربته الشخصية عبر مشاهداته على الطريق الدائري. 

الفنان عمرو الكفراوي من مواليد القاهرة 1980 وهو يقيم ويعمل حالياً بين القاهرة ومونتريال. تخرج في كلية الفنون الجميلة في القاهرة عام 2003 وحصل على درجة الماجستير من جامعة كونكورديا بكندا عام 2020. عرض الفنان أعماله في مصر وإسبانيا وألمانيا وبولندا وسويسرا والمغرب وقطر وكندا.

المصدر.. اندبندنت عربي 

متعلقات