محمد عبد الوهاب الشيباني واحد من أشهر شعراء جيل التسعينات ان لم يكن اشهرهم وهو كذلك عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الأدباء والكتاب وعضو الامانه العامه لحزب التجمع الوحدوي اليمني صدر له أربعة دواوين شعرية هي تكييف الخطأ واوسع من شارع أضيق من جنز ومرقص ونهار تدحرجه النساء بالإضافة إلى كتابين للسيرة الذاتية ؛ وقد التقيناه في المستقبل اونلاين وكان لنا معه هذا الحوار
* من هو محمد عبد الوهاب الشيباني ؟
- محمد عبد الوهاب الشيباني/ 56 سنة / شاعر وكاتب / له ستة كتب مطبوعة (أربع مجموعات شعرية وكتابين سيرويين (تحرير) وفي جهازه وأدراجه سبعة كتب جاهزة للإصدار(ثلاث مجاميع شعرية وكتابين نقديين وكتاب عن أعلام التنوير في اليمن وآخر عن المدن)/ موظف عمومي في وزارة التربية والتعليم . عضو في المجلس التنفيذي لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وعضو الأمانة العامة لحزب التجمع الوحدوي اليمني ومنسق مشروع الاثار المتبادلة للهجرة اليمنية. منشغل بقضايا الشأن العام والقضايا الثقافية ويكتب في الحالتين في العديد من المواقع والمنابر.
* اشتهرت منطقة بني شيبة بالعديد من المبدعين في المجالات المختلفة أمثال الشاعر الغنائي د سعيد الشيباني والروائي محمد سعيد سيف، وفنان الكاريكاتور محمد الشيباني وغيرهم .. إلى ماذا تعيد هذا الأمر؟
- من ذكرتهم رموز كبيرة ليس في منطقة بني شيبة أو محافظة تعز، بل في تاريخ اليمن المعاصر . وليس هناك ممن أعرف من الشخصيات المرموقة ، ولم يزل عائشاً بيننا ويمكن أن يكون شاهدا حياّ على تاريخ اليمن المعاصر في اكثر من سبعة عقود مثل الدكتور سعيد الشيباني الشاعر والاقتصادي والمثقف المرموق. أما المرحوم محمد سعيد سيف أحد أهم مجددي السردية اليمنية المعاصرة وستبقى روايته ( شارع الشاحنات) معلماً مهما في التجربة الروائية المعاصرة في اليمن ، والثالث (محمد الشيباني) واحد من أهم رواد فن الكاريكاتور في اليمن انتقل به من قاع المباشرة والسطحية إلى فضاء التجديد والابتكار.
لعب التعليم في المنطقة والهجرة الباكرة لكثير من الآباء الى مستعمرة عدن القريبة ،ودول الجوار أدواراً مهمة في توفير بيئات ملائمة لمثل هؤلاء ولغيرهم من الأسماء الرائدة والكبيرة في مجالات التعليم والسياسة والأعلام والمبادرات المجتمعية.
* ما مدى تأثير الحرب على المبدعين اليمنيين ؟
- الحرب في سنواتها الثمان وما سبقتها من احتقانات كبيرة اثَّرت على بُنى المجتمع المختلف الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، واحدثت انقساماتها الخطيرة اثرها العميق في شريحة المثقفين والمبدعين اليمنيين.. توقفت عند هذه الحالة مرراً وقلت أن " الحالة التي تعيشها اليمن، من احتراب وفوضى، أنتجت الكثير من الأسئلة التي تحاول الاقتراب من دور المثقف في هذه اللحظة المصيرية ـ أين يقف ؟ وهل يعاني من أزمة تعوقه عن أداء دوره المفترض في مثل هذه الظروف؟ و لماذا يتخندق معظم المثقفين داخل مواقف الأحزاب والمكونات التي ينتمون إليها ؟ وهل يمتلك المثقف القدرة على مواجهة الضغوط السياسية ؟ و ما الدور المأمول من المثقف القيام به حيال القضية الوطنية التي تشغل بال اليمنيين ؟ وما الدور المفترض أن تقوم به المؤسسات الثقافية (الرسمية والخاصة) في الظرف الراهن ؟ وغيرها من الاسئلة ، التي تحاول وبقلق مقاربة الحالة (الملتبسة) التي يعيشها المثقف، او تُفرض عليه، في مجتمع بدأ بالتهتك جراء هذا التدمير الاخرق ،دون ان يستطيع فعل (الثقافة) وحوامله وأدواته ، و(تبشيراته) تشكيل مصد، وكابح لجنون المتحاربين !!
بالتأكيد ستتراجع الاستقطابات وستنتهي الحرب بكل أكلافها المُرَّة ،وإن بعد وقت، وسيعرف الجميع وعلى رأسهم (أهل الثقافة)، مكامن الخلل وجوهره، ولن يكون أمامهم سوى التعاطي معه وبمسئولية . وسيكتشفون أن قوى الحرب (التي يصطفون معها الآن) هي على طول الخط، ضد اراداتهم ككائنات سلام ومحبة، مهما رفعت من شعارات المظلومية والوطنية .
* هل أصبح لدينا ما يمكن تسميته أدب الحرب؟
- بكل تأكيد الحرب ستنتج أدبها الخاص ، مثل بقية الحروب العبثية، غير أن هذا الأدب سيأخذ مدى زمنياً طويلاً حتى يتبلور كحالة لقراءة الحرب وثأثيراتها العميقة في إعادة صياغة المجتمع ووعيه بالزمن والمحيط.. هناك العديد من المعاينات التي أفرزتها سنوات الحرب على شكل مجاميع قصصية وروايات ونصوص شعرية لكثير من الأدباء ، لكنها ستبقى في سياق (قراءات اليوم) حالات انفعالية منقوصة للعبير عن نتائج عاصفة ستقود المجتمع إلى تخوم لا عهد لنا بها ، ولم نكن نتوقعها ، مثل تفكيك المجتمع، ونشوء عصبويات متخلفة تعتاش على وعي ما قبل الدولة والمواطنة . شخصياً لدي مجموعة شعرية تقارب حالة الحرب ، لكنها تبقى محاولات للامساك بهذه اللحظة الفارقة في حياتنا كيمنيين.
* ما هو أحب دواوينك الشعرية إلى قلبك؟
- كل دواويني الشعرية مثل أبنائي ، وكل واحد منهم (سواء المطبوع منها او تلك التي لم تزل مخطوطة) يمثل أو يشير إلى حالة ماء في وعيي بالحياة التي تمتد لأكثر من خمسين عاماً.
* ما سبب الضجة التي أثارها ديوانك مرقص؟
- ديوان (مرقص الليل محمل بحصته الثخينة - 2004) حاول أن يقرأ حالة المسكوت عنه في حياة الليل وصخبه في ملهى ليلي. ومقاربة هذه الحالة كانت عند كثيرين ، ومنهم للأسف أشخاص على رأس المؤسسة الثقافية الرسمية، – حسب قناعاتهم المحافظة- تشهير مرفوض بمجتمع لا يقر أو يتعاطى مع مثل هذه الحالات..
قالت الدكتورة وجدان الصائغ عن هذه المجموعة حال صدورها :
" أن المتلقي يجد فيها نسقاً جديداً لكتابة قصيدة تغادر فضاءاتها الشعرية لتغدوا أداة من أدوات السرد الروائي ، الا انها تنحاز الى تدوينها الطباعي ،لتعلن عن هذه المغادرة منذ النص الاول لهذه المجموعة الموسوم بـ"اليعسوب" اذ يثبت ردقه عبارة "ثابت معنياً بالرواية" وإنتهاء بالنص الاخير الموسوم بـ " هؤلاء" ويردفه بعبارة " الرواية ليست معنية بهم" ...
أما الشاعر فتحي أبو النصر فقال عنها بعد وضعها في القائمة السوداء:
"مجموعة جريئة في موضوعتها على الصعيد اليمني، وما ان صدرت حتى صودرت قبل 11 عاماً. لقد ظلت لفترة حبيسة الرقيب قبل ان يفرج بالكاد عن نسخ محدودة لصاحبها، وذلك لحساسية مضمونها على الحس الاجتماعي من وجهة نظر رقيب مغلق وصفها بالإباحية آنذاك، مع انها من ارقى الكتابات المنفتحة على المهمل او ما اصطلح على تسميته بالمسكوت عنه.
تفردت المجموعة في طرق الممنوع ونبشه، لتضعنا في قلب الشخصيات المتناولة واحداثها المرتبطة بتحولات والتباسات شتى ، لذلك كان من الطبيعي ان يتم فرض الحصار عليها ، فرغم مرور سنوات على صدور المجموعة تكاد ان تكون منسية في مشوار الشيباني الشعري ، كما لم تنشر نصوصها في أي مطبوعة محلية حتى اللحظة."
* كمثقف يساري لماذا خفت صوت الأحزاب اليسارية، وأرتفع صوت الأحزاب الدينية، وهل فقدت هذه الأحزاب مبرر وجودها؟
- الأحزاب اليسارية في اليمن – مع اعتراضي الشديد على نعت أحزاب لم تتجاوز وعيها القومي باليسارية – لم تجدد في خطابها ولا في قياداتها المتكلسة والمتدنصرة منذ عقود ، ولم تطور من أدواتها التنظيمية والتواصل بمكونات المجتمع.. ارتضت على مدى سنوات طويلة أن تكون في هامش الحياة السياسية ، وهي التي باستطاعتها أن تكون رافعة للتحول بسبب ما تمتلكه من مقومات ووعي نوعي لمنتسبيها .. ابتليت بقيادات انتهازية ورخيصة تركت قواعدها وفرت مع الفارين وبقيت تنتفع من حسنات أمراء الحرب ووكلائهم.
هذا الوضع جعل من الأحزاب الدينية وأذرعها الميليشاوية تغطي هذه الفجوة التواصلية والفراغ الهائل الذي تركته الأحزاب المدنية بشكل عام ،لتصير مع استطالة الحرب هي الفاعل الحقيقي في المجتمع والتأثير على خياراته المختلفة. الأحزاب اليسارية صارت مشتتة على أجنحة وقوى الحرب والأزمات في البلاد فجزء من قياداتها متحالفة مع حزب الاصلاح والجزء الثاني منها متحالف مع الحوثيين والجزء الثالث مع المجلس الانتقالي.
*هل جيلكم التسعيني أكثر حظاً من الجيل الذي أتى بعده ؟
- نعم جيلنا الأدبي (جيل التسعينات) كان محظوظاً ، لأن التحولات الجديدة في مطلع التسعينات في البلاد والاقليم والعالم بشكل عام أتاحت لهذا الجيل أن يسجل حضوره الخاص في الحياة الأدبية ، فقد وجد في الانفتاحات السياسية النسبية التي تلازمت مع اعلان دولة الوحدة وكذا تعدد المنابر مناسبة لتسجيل المائز داخل المشهد الأدبي.
مع مطلع التسعينيات كان اليمن كجغرافية قد دخل منعطفا تاريخياً جديداً باندماج الشطرين في دولة واحدة؛ وكان للشعراء الشبان مغامراتهم الأكثر جرأة في التماهي مع هذه اللحظة الفارقة ، لهذا صار الحديث عن كسر تابوهات الشكل وأصنام الأبوة ويقين السطوة، أهم أدوات هذه المغامرة حتى وهي تعبِّر عن وجودها باضطراب بائن. وجد ، هؤلاء الشعراء، في الحدث (الكبير) مساحة لمعاينة السؤال الوجودي .... من نحن وماذا نريد؟! ومع هذا السؤال استطال مفهوم التجييل ، الذي تحول في القراءات النقدية الى مجهر معاينة لخصوصية هذا الصوت باندفاعه الحالم وتالياً بارتطاماته الدامية.
* كتبتَ في العديد من الصحف وكنت نائباً لرئيس تحرير صحيفة (التجمع) التي يصدرها حزب التجمع الوحدوي اليمني هل يؤثر العمل الصحفي على العمل الابداعي والشعري؟ أم أن الأمر يختلف من شخص إلى آخر ؟!
- عملتْ لقرابة عشرة أعوام كاملة نائباً لرئيس تحرير صحيفة (التجمع) التي يصدرها ( حزب التجمع الوحدوي اليمني)، ولم أحس أن العمل الصحفي يستهلكني مطلقاُ، ربما لأن الطابع الثقافي للصحيفة وكذا انشغال الكثير من اعضاء الحزب ومنتسبي منتدى الجاوي الثقافي في القضايا الثقافية والفكرية بسبب انتماء اكثرهم لاتحاد الأدباء. أتذكر في المؤتمر العام الثاني للحزب في سبتمبر 2006 وجدت معظم اعضاء المؤتمر العام هم زملائي في الاتحاد ، أو ممن تربطني به علاقة زمالة في المؤسسة الثقافية، لهذا لم احس بغربة في مساحة هذه الانصرافات.
* ماذا تعني لك مفردات مثل الوطن، والحرية، والحرب ، والأصدقاء، والقصيدة؟
- الوطن حالة الوجد التي جعلتها الحرب تتسرب من أحلامنا مثل تراب جاف.
- الحرية طائر نتخيله في مناماتنا ولا نستطيع الإمساك به.
- الحرب ناب أزرق غرزته السياسة في لحم الجغرافيا.
- الأصدقاء غيمة ممطرة في حقول الروح المجدبة.
- أما القصيدة فلم تزل هي الملاذ الأخير الذي ألجأ إليه حينما يتآكل الوطن ، و ينطفئ الأصدقاء، وتنأى الحرية ، وتحضر الحرب بنابها المسموم.
* ماهي أحدث قصيدة كتبتها ونشرتها؟
- كتبت العديد من النصوص الشعرية في الفترة الأخيرة ونشرت بعضها ومنها نص عنوانه (وترٌ متهتِّكٌ مثل حنين بارد) ويقول:
غنِّ أيها الوقت
ولا تقل إن شفتيك ضامرتان،
ولم يونعهما صيف الحرائق.
ارقص أيها الوقت
ولا تقل إن عكاز الأعمى لا ينظر إلى
أقدام منسية فتَّتَتْها الحرب.
ازرع شجرة
ولا تقل إن فاساً آثمة
صارت تكتب الشعر.
افرط في المحبة أيها الوقت
ولا تقل إن مخلباً مسموماً
يترصد الفريسة في الجوار.
الموتى مروا من هنا
- يا صديقي الوقت-
وهم يتنفسون
لكنهم كانوا بغير ألسنٍ
ولا قلوب،
استبدلوا كلماتهم اللزجة
بسكاكين نهمة
تشبه خطبة القاتل
الخارج من حوصلة الدم
إلى المنبر.
لهذا غنِّ
حتى وإن كان الوتر أصم،
وارقص
وإن كان الإيقاع
متهتكاً مثل
حنين بارد.
غنِّ لأحلام مخبوءة
في أطراف الفساتين القديمة
لامرأة تنتظر حبيبها الذي لفَّته
غمامة البارود.
غنِّ لطفلٍ
حتى وإن كان
يرضع الحليب المعكَّر,
بحسنات أمير الحرب
لكن لا ترقص على
طبولهم
وأناشيدهم
التي تستمطر
الدم.
* كلمة أخيرة تود قولها ..
- اذا عممت هذا السؤال على اليمنيين لأجابك 99% منهم وتمنوا أن تتوقف الحرب ويعم السلام اليمن.. فقد اثبتت السنوات أن لا طرف منتصر فيها، وأن هناك خاسر واحد فقط هو الشعب، ومن ينتفع منها فقط أولئك الذين يصرون على استمرارها لأن عوائدها بالنسبة لهم مثل منجم لا ينتهي.