دراسة تكشف علاقة الفكر الخميني بتغيير المناهج الدراسية في اليمن
المستقبل أون لاين- متابعات

على مدى 8 سنوات، تخوض مليشيا الحوثي، المدعومة من إيران، معركة أخرى موازية لحربها العسكرية ضد اليمنيين، ميدانها قطاع التعليم ووقودها نحو ثلاثة ملايين طفل وشاب يمني.


مؤخراً، كشفت دراسة للباحث والصحفي عبدالباسط الشاجع، بعنوان "صنعاء المستباحة" عن مخطط إيراني مرسوم لاستعمار اليمن ثقافيًا بالاعتماد على المدارس وتغيير المناهج الدراسية، وإنتاج أجيال يمنية تدين بالانتماء والولاء للمذهب والطائفة وإيران الفارسية وليس للوطن والشعب.


الحرب والهويّات القاتلة
الدراسة رصدت حزمة وسائل اتبعتها إيران والحوثيين "لتغيير التركيبة السكانية في صنعاء وما حولها"، منها "تغيير المناهج لتشكيل هوية الجيل القادم من اليمنيين، وكذا "إطالة أمد الحرب".

فمصلحة إيران، وفق الدراسة، "ليس إنهاء الحرب؛ إذ أنها بحاجة ماسّة لعامل الوقت لتأسيس قاعدة فكرية واجتماعية ودينية وعسكرية في اليمن تعتنق أيديولوجية ولاية الفقيه". ولهذا تراهن (طهران) على أن "إطالة أمد الحرب سيدفع النازحين للاستقرار بأماكن نزوحهم، في حين أن مواصلة تسييس التعليم والمناهج سيشكل هوية الجيل الناشئ".


وربطت الدراسة بين التدخلات الحوثية في التعليم والمناهج، وحروب الهوية المستعرة منذ عقود، معتبرة "الإنقسام في الهوية أحد أهم عوامل الفوضى في المنطقة والتي باتت اليمن جزءً منها.


وأوضحت أن هذه الحرب الدائرة "امتدادًا لحرب ذات وجوه متعددة بدأت بغزو بغداد عام 2003م واستهدفت استنهاض الهويات القاتلة، لمحاولة تغيير وجه المنطقة العربية". وبالتالي إحداث "تحولات ثقافية واجتماعية وفكرية عميقة على صعيد الهوية والبنية الثقافية والدينية والمعرفية".


إدارة إيرانية
وفق الدراسة فإن عملية تطييف التعليم انطلقت بوتيرة عالية مع تعيين يحيى بدرالدين الحوثي، شقيق زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، وزيرًا للتربية والتعليم أواخر 2016م. وشملت الكادر الإداري والتربوي، والطلاب، والمنهج الدراسي.


فقد سارع الحوثي لتعطيل عمل اللجنة العليا للمناهج واستبدلها بأخرى تضم 50 أكاديمياً موالين لجماعته لتشرع بالتغييرات على المناهج الدراسية للمرحلتين الأساسية والثانوية، وفق الدراسة.


وكانت نقابة المعلمين اليمنيين قد كشفت على لسان مسؤولها الإعلامي يحيى اليناعي، عن وجود فريق خبراء إيرانيين في صنعاء يشرف على تغيير المناهج ونقل تجربة إيران في السياسة التربوية، ويعملون كمستشارين ليحيى الحوثي الذي يدير قطاع التعليم في تسع محافظات يمنية.


واتهمت النقابة الحوثي "بتأجير التعليم في مناطق سيطرته لإيران، التي تكافح لاختراق الفكر والهوية في المنطقة العربية؛ بغرض إعادة إنتاج جغرافيا البلدان المذهبية فيها".


وكشفت عن وجود مكتبين مهمين وكبيرين داخل مليشيا الحوثي يشرف عليهما الفريق الإيراني هما: مكتب التعبئة التربوية بإدارة يحيى الحوثي، والمكتب الجهادي يديره شقيقه محمد الحوثي.


وتتمثّل مهمة المكتبين الإيرانيين، وفق النقابة، في تنشئة أطفال اليمن كجنود ووقود للمستقبل، إلى جانب توظيف التعليم في مناطق سيطرة الحوثي بما يؤطر للوجود العقائدي والمذهبي للمشروع الإيراني في اليمن باعتبار أن الحوثية جزء من هذا المشروع.


مراحل التجريف
ومن خلال عملية مسح شاملة لمضامين المناهج الدراسية في مناطق سيطرة الحوثيين، رصدت الدراسة، أربع مراحل جرت فيها التغييرات الحوثية؛ وتنوّعت في العناوين والمضامين والكثافة. وتركّزت بخمس مواد: القرآن الكريم والتربية الإسلامية واللغة العربية والتربية الوطنية والتاريخ.


ويُلاحظ نمط متصاعد ومتسارع في إجراء هذه التغييرات وتفخيخ المناهج بمضامين عقائدية ومذهبية وفكرية وتاريخية وسياسية ذات طابع عنصري وطائفي دخيل على المجتمع اليمني.


جرى أول تغيير على منهج العام الدراسي 2016/2017م من خلال "دس كلمات ونصوص خفيفة "بهدوء". وحملت التغييرات "بعداً فكرياً متحيزًا يهدف لتكريس العنصرية وأفضلية الحوثي سلالياً على سائر اليمنيين". وركّزت على تحسين صورة الحوثي وتقديسه، و"إقناع الطلبة بأن الهوية الإسلامية مرتبطة أساساً بالاقتناع بالفكر الحوثي والخميني".


المنهج للعام الدراسي 2018/2019م، تعرّض هو الآخر لتغييرات جوهرية وصفتها الدراسة بـ"الكثيفة"، وقدّمت أفكار الحوثي "بصراحة" من خلال إضافة أو حذف "دورس بأكملها".


وتضمّنت "إعادة كتابة تاريخ اليمن وفق رغبة ورؤية الحوثي وإيران وبما يروج للحكم الإمامي ورموزه. كما عمدت إلى طمس الذاكرة الوطنية، وتاريخ الجمهورية اليمنية، وثورة 26 سبتمبر وثوارها ورموزها والمناسبات الوطنية، وتقديم أفكار المليشيا وإبراز قتلاها كرموز وطنية ملهمة.


وأما التغييرات على منهج العام الدراسي 2020م، فجاءت أكثر وضوحاً وجرأة، وعمدت "لتكريس التبعية الفكرية والسياسية لإيران" وفق الدراسة.

فيما اتسمت التغييرات على منهج العام الدراسي 2021/2022م بـ"الكثافة" من خلال إضافة وحدات كاملة للمنهج وليس دروسًا كما في السابق. وثانيًا أخذ "مؤشر ثقافة القتل والإرهاب والتكفير في المحتوى المضاف منحى تصاعديًا خطيرًا ومفزعًا وعلى نحو مباشر".


تكريس التبعية لإيران
أظهرت نتائج عملية المسح التي أجرتها الدراسة على مضامين هذه المناهج، أن التغييرات الحوثية عليها "تأتي كجزء لا يتجزأ من استراتيجية تصدير الثورة الخمينية إلى اليمن على المدى الطويل".


وجاءت "ضمن سعي طهران لتكريس نفوذها المذهبي والفكري بمناطق سيطرة الحوثي، وإيجاد موطئ قدم دائم لها في اليمن، وفي خاصرة السعودية تحديداً، وتحتل موقعاً على البحر الأحمر".


ومن أمثلة هذه التغييرات، إضافة درس في كتاب التاريخ للصف السادس بعنوان "الدولة العلوية في طبرستان" يهدف للربط بين اليمن وإيران تاريخيًا وتبرير عمالة الحوثي لطهران بزعم وجود علاقة تاريخية مشتركة، ودولة واحدة كانت تحكمهما منذ آلاف السنين هي الدولة العلوية.


وكمثل على مدى التبعية المطلقة لطهران، حذفت اسم "الخليج العربي" من كتاب التاريخ للصف السادس الابتدائي واستبدالها بمسمّى "الخليج الفارسي" التي تعتمده إيران لوصف منطقة الخليج.


إضافة إلى التركيز على تغيير المفاهيم الدينية في المناهج، وإدراج إضافات تكثف من التحيز المذهبي بما يجعل الفكر "الحوثي- الخميني" هو أساس الثقافة الدينية وليس الإسلام.

تطابق
وبيّنت الدراسة حالة التطابق بين المناهج التي غيّرها الحوثيون والمناهج الدراسية في إيران، مؤكّدة "نقل تجربة إيران في السياسة التربوية ومحتوى المنهج إلى التعليم العام في صنعاء".


وقالت إن محتوى هذه الكتب أصبح شبيها بالكتب المدرسية في إيران التي تُظهر مدى عمق حملة السلطة الدينية للتحريض ضد الآخر وتمجيد ثقافة الموت والقتل داخل المجتمع.


وكمثال على هذا التطابق، أن التغييرات الجديدة تنال من الانتماء للعروبة انسجامًا مع النظرة الإيرانية السلبية للعرب والعروبة. فمثلاً: شعراء العربية حولتها إلى شعراء الإسلام.


وأيضاً اتهام أهل مكة المكرمة والمدينة المنورة بالبعد من منهج الله بزعم أنهم خالفوا آل البيت، كما أحدثته في كتاب الأدب والنصوص والبلاغة، للصف الأول الثانوي، الجزء الثاني.


مخاطر
تكمن خطورة هذه التغييرات، وفق الدراسة، في أنها تساهم بخلق بيئة صراع مذهبي لدى 3 مليون طالب مبنية على الكراهية والتحريض ضد من لا ينتمي للمشروع الإيراني داخل اليمن وخارجها.


وأيضاً في إباحة دماء المخالفين للحوثي ولأيديولوجية ولاية الفقيه، وإعطاء مبررات دينية لقتل اليمنيين وإرهابهم، واعتبار القتال مع الحوثي جهادًا والموت نيابة عنه تضحية في سبيل الله.


واعتبرت الدراسة هذه التغييرات "اختلالاً خطيرًا كونها تنطوي على تدمير لهوية الإنسان اليمني وتاريخه ووعيه الكامل". حيث يجري تدوير تراث المذهب الخميني وعقيدته المتطرفة، وتقديمه ضمن نظامي وجوب الطاعة وإضفاء القداسة على الحوثي وولي الفقيه في طهران.


واستعرضت نصوصاً مضافة كنماذج لطريقة إقناع الطلبة بأن الحوثية وسلطة إيران تمثل دار الإسلام ومركز الهوية الإيمانية الصحيحة، والمخالفين لهم من اليمنيين والعرب دار نفاق يتوجب عليهم التسليم بولاية الفقيه وإلا وجب قتالهم وإشهار السلاح بوجههم وإعمال النيران في أجسادهم.


وحذّرت الدراسة من خطورة هذه الدروس والتغييرات التي تبيح دماء المخالفين للحوثي والمعارضين لعقيدة ولاية الفقيه، وتقدّم مبررات صريحة لقتل المخالفين وللإرهاب والعنف.


وتطرقت الدراسة في عناوين أخرى لعملية التجريف الواسعة للعملية التعليمية بمختلف مراحلها، بما فيها سلاسل المطبوعات والأنشطة والبرامج التعبوية المصاحبة التي فرضتها المليشيا على المدارس لتزاحم الحصص والأنشطة الرياضية والثقافية الرسمية وتجعلها أشبه بمعسكرات طائفية.


عن المصدر أونلاين

متعلقات