«هنا جيل حسيني ستستهدي به الأجيال»، يرصد التقرير -كلمات مغناة بصوت طفل- عملية التهيئة والتحشيد للمراكز الصيفية الحوثية في العاصمة والمحافظات التي تسيطر عليها وحتى المديريات المحدودة التي تسيطر عليها في محافظات (لحج والضالع ومأرب).
"الجيل الحسيني"مفهوم طائفي تركز عليه المليشيا الحوثية ضمن سياستها المشهورة "حرث الأرض" حسبما يشير (م. م) وهو الناشط المجتمعي الذي يكشف عن مسار واسع من الاهتمام بزج الأطفال إلى تلك المراكز حتى عن طريق "الاختطاف".
يورد (م.م.) قصة واقعية لابن عمه الذي تم اختطافه تحت لافتة التحاقه بأحد تلك المراكز في محافظة حجة، تتفاجأ أسرته غير المنتمية مذهبيا إلى الحوثيين بأن ولدها قد اقتيد لاحقا إلى جبهات القتال، استمر هناك فترة طويلة، وبصعوبة أعادته الأسرة وحررته من الحلقة المفرغة التي تنتهي غالبا بـ بالـ"موت".
الأكثر مأساوية حسب (م. م) هي أفكار العنف والكراهية التي يحملونها للمجتمع بعد غسل أدمغتهم في تلك المراكز، يشير لعدد من حوادث قتل الأقارب وبينهم أباء وأمهات بعد العودة من المشاركة في مراكز الحوثيين الصيفية والخضوع لـ"دوراتهم الثقافية" وانتهاء بالقتال في صفوفهم، وهو نفسه تعرض للسجن جراء مقاومة تلك المراكز الصيفية في منطقته في وقت مبكر.
يصف ما يجري اليوم وما بدأه الحوثيون منذ أكثر من عقدين بسياسة "حرث الأرض" التي تستهدف قلب معتقدات الناس باتجاه التشيع والأفكار الضالة"، وفيما يعود لبدايات المراكز بأنها "كانت فكرية بدرجة أساسية، فإنها اليوم كذلك لكنها بنسبة 70-80% عسكرية بهدف حشد المقاتلين، فكثيرين يحصلون على تدريب ووجبات (طائفية) سريعة ولا يعود الكثير منهم إلا إلى الجبهات القتالية، والبعض يعود لأهله فيقتل أباه وأمه كما حصل قبل أكثر من أسبوعين" مشيرا لأحدث جريمة حين أقدم القيادي الحوثي خالد العنصور المعين من قبل ميليشيا الحوثي مديرا لمديرية "السود" في محافظة عمران، على قتل والدته وشقيقه وجرح شخصين آخرين بعد خلاف نشب بين الشقيقين حول مكان معيشة والدتهم وهي لغة عنف انتشرت واكتوى بها حتى صغار السن ممن خضعوا لدورات ومراكز الحوثيين الصيفية، كما يشير (م.م)، وتكشف مصادر عديدة بأن "معظم الذين أقدموا على قتل آبائهم وأمهاتهم وأقاربهم التحقوا بالمراكز الصيفية الحوثية، ومايسمى بالدورات الثقافية، حيث تم تعبئتهم على أن طاعة عبدالملك الحوثي مقدمة على طاعة الأب والأم، بحجة أن الله أمره بتوليه".
سياسة "التطويع"
يؤكد وكيل وزارة الشباب والرياضة صالح الفقيه بأن الحوثيين كـ"جماعة دينية" استطاعت خلال السنوات الماضية تطويع منظومة متكاملة كانت ترتكز عليها أنشطة المراكز الصيفية التي كانت الحكومة قد أولتها اهتماما إثر إلغاء خدمة الدفاع الوطني في التسعينات.
وأشار إلى أن وصل اهتمامها حينها وتاليا لدرجة أن تشترك وزارات (الدفاع والداخلية، والشباب والرياضة والتربية والإعلام والثقافة والإدارة المحلية) في لجنة عليا للمراكز الصيفية وشكلت اللوائح المنظمة وأعدت الأدلة الإرشادية وبموازنات ضخمة -كان الفساد يهدرها- لكنها كانت تنتهي بحفلي تدشين واختتام دون فوائد عملية تساوي الاهتمام والانفاق عليها حسب الوكيل الفقيه، والذي يستطرد "قام الحوثيون بتطويع تلك المنظومة وشكلوها منهم، وأضافوا عليها دقة في التنظيم بهدف إفساد عقول النشء والتحشيد الطائفي والعسكري".
وأوضح أن اليوم صارت تنتظم المراكز الصيفية في شكل محدد من الإعداد والتنفيذ وقطف الثمار والتي تمتد بعضها لسنين وتأتي بعضها سريعا على شكل تجنيد مقاتلين وتحشيدهم إلى القتال حيث يؤكد مكتب حقوق الإنسان في أمانة العاصمة رصد إجبار (223) طالبا على حضور هذه المراكز بين 5أكتوبر 2019و4 أكتوبر 2020، يقول الناشط الحقوقي هادي وردان بأن المراكز الصيفية هي "الألغام الحقيقة والأشد فتكا على مستقبل الأجيال"، يؤكد الوكيل الفقيه بأن الحوثيين طوعوا كل شيء من أجل أفكارهم وحشد الناس إلى جانبهم بما في ذلك إنجاح المراكز الصيفية واستخدموا كل شيء بما في ذلك "دبة الغاز المنزلي" و"سلة المساعدات الإنسانية".
حملة × حملة
فيما ينتشر الحوثيون عبر "الثقافيين" لتطويع مؤسسات وإمكانيات الدولة والمجتمع لصالح أنشطتهم وأفكارهم كما كشفه مسئولون التقاهم المحرر، ينفذ المجتمع حملة معاكسة تتمثل في رفض الانخراط في تلك المراكز في كثير من المدن والمديريات الرئيسية فضلا عن الريف.
يقول عبده الفقيه بأن مجزر - تسيطر عليها الجماعة الحوثية- لم تشهد أي مراكز صيفية للحوثيين في المديرية العام الماضي وحتى الآن بسبب الرفض المجتمعي فلم يكن هناك أي تجاوب من أولياء الأمور مع طلب الحوثيين بإقامتها وتشترك العبدية التي سيطر عليها الحوثيون مؤخرا في بقاء المدارس بعيدا عن تلويثها بالطائفية الحوثية.
ويقول حسين السعيدي: "حتى الآن"، مجزر ضمن ثلاث مديريات تقطنها قبائل الجدعان، يؤكد الكثيرون بأنها نزحت بعد سيطرة الحوثيين عليها وفضل أبناؤها نكد النزوح على البقاء في ظل الحوثيين، في السباق الإعلامي لتطييف المجتمع أو محاولة تخفيف ذلك التطييف والتشييع حسب من التقاهم المحرر.
تنفذ المليشيا حملة مكثفة في محافظات رافضة لهم كتعز، وهو ما يؤكده فؤاد الأهدل وهو قيادي بنقابة المعلمين في المحافظة، مسارعة الحوثيين لتدشين المراكز في عدد من المديريات التي يسيطرون عليها، وزود المحرر بتعميم يشمل الحشد للمراكز في مديريات " التعزية، صالة، صبر، خدير، سامع، الصلو، حيفان، ماوية، السلام ، الرونة، مقبنة، جبل حبشي" في كل أو أطراف تلك المديريات يمر الحوثيون بـ"الثقافيين" والإدارات المحلية لتنفيذ تلك المراكز.
حسب الأخبار المتداولة في مواقع الحوثيين فإن المراكز ستصلهم بسيرة "أعلام الهدى" وهو المسمى الذي يستخدمونه وصفا لقيادة الجماعة وزعيمها وأسرته، وتأتي المراكز الصيفية "تلبية لتوجيهات من يطلقون عليها "القيادة الثورية"..
وفي مديرية التعزية تستهدف الجماعة الحوثية "عشرة ألف طالب في أكثر من 80 مركز"، القيادي النقابي يؤكد بأن المليشيا الحوثية تستهدف الفئات العمرية من 6سنوات إلى 18سنة الـ"قابلة تماما لأي أفكار".
ويضيف "يركزون على الأطفال والفتيان في سن المراهقة" وبشكل متدرج يعلن الحوثيين بشكل واضح عن "مراكز مفتوحة" و"مراكز مغلقة" تعمل على فترتين صباحية ومسائية ويسكن المشاركون في المراكز التي تحددها الجماعة الحوثية بسرية كما تفصح عنه التعميمات الخاصة بذلك.
وفي ظل "القبضة الأمنية التي تمارسها الجماعة في نطاق سيطرتها وعدم السماح مطلقا للآخر سيخلق جيلا ناقما على المجتمع وعلى قيمه وأخلاقه السمحة، وأن ما يقومون به هو تشويه للدين والمعتقدات الصحيحة والأخلاق الحميدة وتمييع التقدير والاجلال للصحابة وبالذات الخلفاء الراشدين ونساء النبي عليه الصلاة والسلام وتغييب مبدأ التسامح والتعايش". تؤكد قيادات تربوية أن هدف الحوثيين لن يتحقق في اليمن عموما وفي تعز على وجه الخصوص، ويؤكدون "أن الحوثي لن يستطيع طمس هوية الشعب اليمني بكل ما يقوم به من حملة مسعورة"، وتتواصل منذ مساء أمس حملة إلكترونية في إطار مواجهة الحملة الحوثية تشارك فيها وسائل إعلامية ومواقع ناشطين على التواصل الاجتماعي بشكل موسع.
تحت الأنظار
تكشف الحملة الإلكترونية التي تنتظم في مواجهة تدشين المراكز الصيفية عن كثير من المعلومات التي تؤكد أن ما يجري من جرائم بحق مستقبل اليمنيين يجري تحت أنظار العالم، كشف تقرير الخبراء العام الفائت 2021 عن أن المراكز (المخيمات) الصيفية والدورات التعبوية "التي تستهدف الأطفال والبالغين - تشكل- جزءً من استراتيجية الحوثيين الرامية إلى كسب الدعم لأيديولوجيتهم وتشجيع الناس على الانضمام إلى القتال وتحفيز القوات" وأن المراكز الصيفية التي تنظم "في المدارس وفي المساجد لنشر أيديولوجيتهم لدى الأطفال، وتشجيعهم على القتال، وتوفير التدريب العسكري الأساسي لهم، أو تجنيدهم للقتال" و"التشجيع على خطاب الكراهية وممارسة العنف ضد جماعات محددة"، وحمّل فريق الخبراء الأممي يحيى الحوثي (المسمى وزير التربية لدى الحوثيين)"مسؤولية ضمان عدم استخدام المدارس والمخيمات الصيفية للترويج للعنف والكراهية وتغذية نزعة التطرّف أو تجنيد الأطفال".
يشكل التقرير إدانة صريحة للحوثيين بالجرائم السالفة، فيما تسعى الحكومة الشرعية بتجييش المجتمع المحلي بالضد على العمل الحوثي المستمر يوميا في المناطق التي يسيطر عليها.